على الرغم من أن الجمعيات الخيرية لها دور بارز في تنمية المجتمع، ومحاربة الفقر، إلا أن كثيرين لا يرون دوراً بارزاً لها كما يتجلى في رمضان. وأكد عدد من الباحثين والمختصين أن في شهر رمضان يكون هناك فائض من الأنشطة والدعم المادي للعوائل والأسر، مطالبين باستمراره طوال فترات السنة. فيما أكد عديد من المقربين من الأسر المحتاجة الذين تدعمهم الجمعيات الخيرية أن ما تقدمه الجمعيات الخيرية ما هو إلا سد رمق يومين أو ثلاثة، وعبروا عن استيائهم الشديد من الخدمات التي تقدمها الجمعيات حتى من خلال طريقة التوزيع التي تهدف لإذلالهم حسبما يقولون، من خلال التجمعات وسوء التخطيط والتجميع وعدم دقة مواعيدهم في التسليم. وأكد عدد منهم أن ما يقدم من الجمعيات إن كانت كوبونات أو مواد غذائية خلال هذا الشهر لا تفي بالغرض، بالإضافة إلى أن أغلب الجمعيات تعتمد في التوزيعات على المعرفة والوساطة، فالأسر التي لها معرفة أو قريب في الجمعية تحصل على كوبونات أكثر وتتسلم سلالاً أكثر من مرة بعكس الأسر الأخرى. وطالبوا بأن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بدعم الجمعيات دعمًا حقيقيًا كافيًا على مدار السنة، خاصة شهر رمضان، وكذلك مراقبتها ووضع ضوابط صارمة عليها. «الشرق» التقت بعدد من الاختصاصيين وحاورتهم في هذا الموضوع المهم، فكانت هذه القضية: في البداية قال الدكتور عطاالله العبار المشرف على برامج جمعية البر الخيرية في محافظة القريات: نحن في جمعية البر بمحافظة القريات نخدم ألف أسرة موزعة على رقعة جغرافية تبلغ 50.000م2 من مركز العيساوية شرقاً ومنفذ الحديثة غرباً ومركز الحماد شمالاً، ونقوم بحملات توزيع مواد غذائية للقرى البعيدة في المواسم ومنها موسم رمضان المبارك. وقال: وزعنا آلاف السلات الغذائية الرمضانية بمختلف درجاتها وحسب فئة كل أسرة. ونقوم بتقديم بعض السلات الغذائية استثناءً لبعض الأسر غير المسجلة بناءً على بحث حالة طارئة. وأضاف العبار قائلاً: لم نواجه أي صعوبات بالتمويل لوجود موازنة وبرنامج عمل مؤسسي معد مسبقا، كذلك دعم وزارة الشؤون الاجتماعية السخي يفي بجزء كبير من برامج الجمعية، وكذلك دعم المؤسسات الخيرية الداعم الجيد وعلى رأس هؤلاء المانحين مؤسسة الشيخ سليمان بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية. موضحاً أن بعض المشكلات التي يواجهونها تتعلق بسلوك المستفيدين مثل عدم الالتزام بمواعيد الصرف، مما يسبب زحاماً عند مستودعات الجمعية. وقال: نواجه أيضاً بعض التصرفات غير الجيدة من قبل بعض الموردين؛ حيث يلجأ البعض إلى توريد مواد قريبة من انتهاء الصلاحية، فنحرص على ملاحظة ذلك. كما أن بعض المانحين يلجأون إلى الأصناف الأرخص لزيادة عدد السلات على حساب الجودة. ودعا العبار المانحين لأن يقدموا الدعم المادي للجمعيات، لتقوم الجمعية التي تعرف نمط حياة مستفيديها والأصناف المناسبة محلياً بتوزيعها، وقال: إن الدعم المادي يحفظ كرامة المستفيدين وإراحتهم من مراجعة الجمعيات وعدم إلزامهم بأصناف معينة. وأضاف: نحن في جمعية البر بالقريات نستخدم بطاقة التموين مسبقة الدفع التي من خلالها يستطيع المستفيد تبضع ما يحتاجه لأسرته. إلا في حالة ورود سلات جاهزة، كما حصل هذا العام وقبله؛ حيث زودتنا جمعية العنود الخيرية بمئات السلات الرمضانية الجاهزة. من جهة أخرى قالت فوزية الطاسان مديرة الجمعية الخيرية في فيصلية الرياض: إن أكثر الشركات تمول المشاريع ذات التنمية المستدامة على الرغم من أن هناك أسراً تحتاج لدعم في الإسكان وفي العلاج وفي التغذية، وتمت تغطية مثل هذه المشكلة بما تقدمه وزارة الشؤون الاجتماعية من إعانة؛ إذ إن ما تقدمه يعتبر أكبر مصدر وممول إلى جانب ما تقدمه لبرامج التدريب، وأضافت: نحن ندفع للطلاب والطالبات المعوزين مبالغ تصل ل 50 / 60 ألفاً في السنة لبرامج الدبلومات المنتهية بالتوظيف والمهن الحرفية والمطلوبة في سوق العمل، وهذا أدى إلى ارتفاع مستوى الأسرة المالي لدينا. وقالت الطاسان: فيما يتعلق ببرامج رمضان لدينا السلات الرمضانية والكوبونات الشرائية، إضافة إلى الزكوات وبعض الأجهزة الكهربائية. وقالت: تم تمويل عديد من الأسر بالأجهزة خلال رمضان، واستفادت ما يقارب 2200 أسرة من البرامج الرمضانية لهذا العام؛ حيث تم تسليم 150 من الأجهزة الكهربائية كالأفران والمكيفات والثلاجات وعدد 1800 كوبون، كل كوبون بقيمة 300 أو 200 أو 150، وكذلك تم توزيع 750 سلة غذائية قيمة السلة لا تقل عن 450 ريالاً مشيرة إلى أن المساعدات شملت أيضا النازحات بمعدل نازحتين أو ثلاث يوميًا. وأوضحت الطاسان أن هناك بعض المؤسسات الممولة لمثل هذه الأعمال؛ حيث بدأنا العمل من شعبان، وهناك أشخاص متطوعون من التجار وغيرهم تبرعوا بسلال غذائية. مؤكدة أن وزارة الشؤون الاجتماعية أيضًا قدمت مبلغاً لمساعدة الأسر، وأما التمويل فلم يعد السابق. ومن ناحية أخرى فقد أصبح هناك حرفية في جمع التمويل، بعكس السابق الذي كانت فيه المشاعر تلعب دوراً كبيراً من قبل المتبرعين، وأما الآن فقد أصبح المتبرع يطمح لتمويل المشاريع المستدامة عبر خطط وتفكير، وجلسات إقناع وما إلى ذلك. وأما الشركات فلم تقدم شيئًا يذكر لرمضان هذا العام. وعن المعوقات قالت الطاسان: أهم ما يعيق تمويلنا هي (المحسوبية)؛ حيث إن الشركات الكبرى تتجه للجمعيات التي يرأسها شخصية تنفيذية كبيرة، فإذا كان شخصية تنفيذية أو له علاقة بشخصية تنفيذية كبيرة في الدولة يقدم لهم كل الخدمات في حين أنه توجد جمعيات تقدم خدمات جيدة، ومحتاجة بشكل كبير، ولا يتم دعمها لعدم وجود شخصيات بارزة ترأسها. مطالبة بإنهاء هذه التفضيليات غير المبنية على أسس وقواعد اجتماعية ومهنية. وعن أسباب تأخر المؤن قالت: يكون عادة بسبب تأخر فاعلي الخير لأنهم يفضلون التقديم خلال هذا الشهر، وأحياناً يكون بسبب قصور وسوء تخطيط من الجمعيات. وأضافت: واجهنا مشكلة هذا العام بسبب مرض كورونا؛ فقد تم إعطاء المستحقين مواعيد محددة لكي لا تحدث تجمعات كبيرة، ومن يأتي في غير موعده لا يتسلم، وتم استخدام إجراءات السلامة، خاصة بعد أن علمنا بإصابة 2 من الأسر بالمرض، وحرصنا على تسلم السيدة المريضة، بمجرد دخولها وعدم تركها تنتظر. من جهتها أكدت نسرين الإدريسي المديرة التنفيذية للجمعية النسائية الخيرية الأولى في جدة أن أهم عائق يواجههم هو عدم تسليم المتبرعين للزكوات والتبرعات في وقت مبكر؛ لأنهم يفضلون تسليمها في رمضان، ولا يعلمون أنهم بذلك يحدثون تعطيلاً فتتأخر على المحتاجين، ومع تعدد الجمعيات وتعدد الاحتياجات قلت الزكوات. وأوضحت الإدريسي أن تمويل وزارة الشؤون الاجتماعية مقتصر على إعانة الجمعية وعلى التدريب. فكل دعم من الوزارة محدد لجهة معينة ينصرف فيها كالتدريب أو الأيتام والدور الإيوائية، بالإضافة إلى الإعانة السنوية الخاصة بالجمعية، ويتم وضعها للاحتياج في الجمعية أو إعانة نهارية للأنشطة النهارية كالروضة. وأشارت إلى أن الدعم يكون للفقراء والأيتام وذوي الدخل المحدود. وقالت الإدريسي: الوزارة لا تمول لرمضان واعتمادنا على الناس، وأما السلال الغذائية فتسلم من شعبان. مبررة بأن ذلك يؤدي لتوفير الأغراض لدى المحتاجين قبل دخول رمضان، وهذه يتم الصرف عليها من التبرعات أو الزكوات أو من نتاج الجمعية الذي يعود عليها خلال المناسبات وغيرها. مشيرة إلى أنه إذا لم تغطِ الزكوات والتبرعات نضطر لاستقطاع شيء من دخل الجمعية من أنشطة وبازارات وإيرادات مختلفة، ويتم توجيهها للأسر المحتاجة. من جانبه قال الفنان فايز المالكي: الجمعيات الخيرية لدينا تنتظر دعم أهل الخير، ولا نتمنى ازدياد المؤونات والعطاء خلال شهر رمضان فقط بل نتمناها على مدار السنة، وقال: أهم عيوب الجمعيات الخيرية أنها لا تؤمن المساكن والوظائف ولا تؤمن الأكل والشرب على مدار السنة، فالجمعيات لا تفي بالغرض إطلاقاً وإنما تسد حاجة بسيطة جدا. مؤكداً أهمية مشاركة الممثلين والفنانين ولاعبي الكرة والكتاب والمذيعين، فضلاً عن بقية أبناء المجتمع بأكمله في دعم الجمعيات والعمل الخيري والإنساني، فالرسالة لا تقتصر على الممثلين أو الشخصيات المشهورة بل إن العمل الخيري يحتاج لبادرة كل شخص في المجتمع. من جهة أخرى قال مستشار تنمية وتطوير المهارات السلوكية الدكتور زياد آل أبوزنادة: إن الجمعيات الخيرية، نوافذ خير وبركة تدعمها الدولة من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية، وقال: إن ما تقوم به الجمعيات الخيرية أمر محمود، وهو من باب تكافل المجتمع، إلا أن ما تقوم به يظل بعيداً عن تحقيق أهدافها؛ حيث لم يتم تفعيل أمر خادم الحرمين في محاربة الفقر. وأضاف: أعتقد أن قلة الموارد تعتبر من أكبر العوائق التي تحول دون تحقيق الجمعيات لأهدافها، إضافة إلى عدم وجود الكادر الإداري المتخصص لإدارة الجمعيات الخيرية، خاصة المشاريع الاستثمارية التي تقيمها الجمعيات الخيرية لزيادة مواردها مثل المدارس الخاصة أو المدارس المتخصصة (تعليم احتياجات خاصة، صعوبات التعلم، صعوبات النطق والسمع)، مشاريع لزيادة الإيرادات على حساب جودة المخرجات رغم حساسية الفئة المستفيدة، وأهمية التخصص لدى القائمين عليها. وأرجع تدني الخدمات إلى عزوف المواطنين المتخصصين عن إدارة الجمعيات والعمل فيها نظراً لتدني الرواتب وانعدام الحوافز، مما مكن للعمالة الوافدة والمرافقة أن تدير شؤون معظم الجمعيات الخيرية، خاصة في المحافظات الصغيرة والمراكز التابعة لها. وأكد آل أبوزنادة أن الجمعيات أسهمت بطريقة مباشرة في أن يظل الفقير فقيراً، وذلك من خلال ما تقدمه لهم من مساعدات، بل وزيادة الفقر لتفضيل فئة من المجتمع للاعتماد على مساعدات الجمعيات الخيرية، بدلا من البحث عن عمل وإقامة المشاريع، إنما على الجمعيات الخيرية أن تدعم عمل مشاريع الأسر المنتجة ومشاريع العمل من المنزل، وتبني توظيف وابتعاث أبناء وبنات الأسر الفقيرة ليتولوا رعاية أسرهم من خلال وظائف أو مشاريع تعفيهم من البقاء عالة على الجمعيات والمجتمع. متمنياً تبني الجمعيات الخيرية لرؤى واضحة ورسالة عملية تدعم تحقيق الرؤية من خلال استراتيجيات وأهداف عملية، وهذا لن يتحقق في حال استمرار افتقار الجمعيات للكوادر المؤهلة علمياً والمتخصصة وصاحبة الخبرة. وقالت المختصة في علم الاجتماع والكاتبة والروائية مها باعشن: إن الجمعيات الخيرية يظهر جهدها في شهر رمضان بصورة واضحة، لكن ما تلبث أن تخفت تلك الجهود بعد الشهر، بسبب أن بعضها ينقصها تفعيل الأنظمة المؤسساتية في عملها، وتعتمد فقط على الأساليب التقليدية، الأمر الذي أثر على سمعتها. ووصفت باعشن دور الجمعيات بالمساعد، وقالت: أتمنى أن يبلغ عملها إلى المأمول أسوة بجمعيات الدول المتقدمة.. وكم سمعنا بأن موظفيها لا يستمرون على رأس العمل متى أتيحت لهم الفرصة بالعمل في مجال آخر، والسبب افتقارها للأنظمة المؤسساتية. وأضافت باعشن أن أكبر وأهم المشكلات التي تقف عائقا أمام عمل الجمعيات هي الدعم، فأهل الخير ورجال الأعمال يسهمون ويدعمون بلا شك، لكن لاتزال الجمعيات الخيرية بحاجة إلى دعم أكبر.. وقالت: لابد على الجمعيات أن تفعل دور الوقف؛ لأنه يسهم في ثبات دخلها، بل يزيد منه بما يلبي احتياجات الجمعية. أيضا من المشكلات التي تواجه الجمعيات توجس المجتمع منها، ولابد حتى تتخلص الجمعيات من تلك النظرة أن تفعل الدور المؤسساتي لتحسين صورتها وجودة أدائها. وهذا سيمنحها استراتيجية واضحة في عملها أمام الآخرين.