مع دخول شهر رمضان.. تبدأ العوائل الآن استنفار مجهوداتها للبحث عن خادمة.. فهي الآن عملة نادرة، خاصة تلك العوائل التي تأخرت مخدومتها عن الحضور.. أو سافرت ولم تعد.. عوائل ينتظرون شهوراً طويلة ولم يستلموا خادمتهم، رغم أنهم دفعوا مبالغ طائلة لاستقدامها.. لذلك فهم يبحثون الآن عن خادمة كحل طارئ لمدة شهر، حتى لو كان إيجارها 3 آلاف ريال. وبالطبع فإن كثيراً من هذه الخادمات هاربات في الأصل من كفيل آخر.. هل هذا هو الحل؟ ففي ظل تزايد ظاهرة هروب الشغالات وفي ظل ظهور سوق سوداء للخادمات بأسعار عالية لاسيما في مثل هذا التوقيت من العام. تظل ظاهرة هروب الخادمات ذلك الصداع، الذي يضرب الجميع بدءاً من الأسرة مروراً بمكاتب الاستقدام وليس انتهاءً بالأمن الاجتماعي. «الشرق» التقت الباحث المتخصص الدكتور سلمان بن محمد العمري، الذي علق على هذه الظاهرة قائلاً: هروب الخادمات أصبح هاجساً يقلق المجتمع. كيف لا وهو الموضوع الذي تجده حاضراً وضمن أحاديث الرجال والنساء على حد سواء، ويمتد هذا ليتجاوز أسوار المنازل إلى العمل وبين الأصحاب في أعمالهم، وفي استراحاتهم وفي حضورهم وسفرهم. وقال: لقد أصبح الأمر ظاهرة لا تقف عند حدود زمان ولا مكان فالهروب متواصل. وأضاف: تفاءل الجميع بوجود البصمات والتسجيل ولكن هذه الأماني طارت مع الرياح، ولم نلمس من أثرها شيئاً. في الأمثال العامية يقولون: «الطاسة ضايعة» ونحن نقول: إن هذا المثل ينطبق فعلاً وصدقاً على موضوع الخادمات ف «الطاسة ضايعة» فعلاً. متسائلاً أين تجد الحل وقد تشعبت الأمور وتعددت على الضحية وهو رب العمل وصاحب المنزل، فهناك جهات عديدة لها علاقة بالموضوع وكل يبرأ ساحته من المسؤولية، فالجهات ذات العلاقة بالموضوع هي: وزارة العمل ممثلة في الاستقدام، ووزارة التجارة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ممثلة بشؤون الخادمات، ووزارة الداخلية ممثلة بقطاعي الشرطة والجوازات وأحياناً إمارات المناطق، وأخيراً وزارة العدل ممثلة بالمحاكم، مشيراً إلى أن كل هذه القطاعات تتنصل من حقوق المواطن إذا ما جاء مطالباً بحقه. وألمح العمري إلى وجود ما يشبه العصابات التي تدير هذا الموضوع. وقال: لقد أكد المسؤولون في إحدى الدوائر الرسمية عن وجود (مافيا) وعصابات للاتجار بالعمالة المنزلية، وقال: هذا التأكيد منسوب لمدير مركز رعاية الخادمات في الرياض خلال حديثه لإحدى الصحف، حيث ذكر هذا المسؤول الأعداد المهولة من الخادمات الهاربات خلال ثمانية أشهر في مدينة الرياض. فماذا عن المدن الأخرى؟ أين يذهبن؟ وأين يعملن؟ إنها كارثة أمنية أن يتجول هذا العدد في داخل البلاد ولا يتم اكتشافهن والقبض عليهن. وأوضح العمري أن الحلول لم توضع بعد لهذه الإشكالية الكبيرة، التي تقلق كل بيت سعودي، مطالباً جميع الأطراف بضرورة تشكيل غرفة عمليات على مستوي عالٍ لوضع الحلول وضرورة التنفيذ، خصوصاً أن الخيارات المتوافرة حالياً في حال التظلم أو الشكوى هو الضغط على صاحب العمل وتهديده بوقف الاستقدام عنه وإلزامه بتسفير الخادمة على حسابه دون أي اعتبار أو حفظ لحقه، مشيراً إلى أن الشواهد كثيرة، وما نسمعه ونقرأه من قصص يكفي للتدليل . وقدم العمري عدداً من الحلول لوضع حد لهذه الظاهرة، منها: وقال: إن من حق وزارة العمل أن تسعى بكل جهد لحماية حقوق العمالة، بل إن هذا من صميم عملها، لكن السؤال: مَنْ يحمي المواطن من انحرافات هذه العمالة؟، وهي الانحرافات التي تتجسد في أبشع صورها في هروب السائقين والخادمات، وممارسة أعمال منافية للدين، ومخالفة لنظام العمل، ومهددة لأمن الوطن، ومَنْ الذي يعوض المواطن عن خسائره المالية التي تكبدها لاستقدام السائق أو الخادمة، ولماذا لا يدخل هذا ضمن اهتمامات وزارة العمل، وغيرها من الجهات المعنية؟ وأضاف قائلاً: إن عدم وجود إجابات واضحة على هذه التساؤلات، هو الذي أدى إلى تفاقم ظاهرة هروب العمالة المنزلية، والأخطار المرتبطة بها. وأضاف العمري قائلاً: في الوقت الذي تبذل الوزارة جهوداً كبيرة في حماية حقوق العمالة المنزلية نجد المواطن المتضرر من هروب هذه العمالة بلا أدنى حماية حقيقية، في ظل وجود بيوت سرية لتشغيل الخادمات بعيداً عن أعين الجهات الرقابية، واستمرار فوضى مكاتب الاستقدام، وتضارب صلاحيات واختصاصات الجهات المعنية، فيما يشبه التواطؤ فيما يتعلق بظاهرة هروب العمالة المنزلية، وهو تواطؤ أوجد سوقاً لهذه العمالة يديره زبانية لا يتورعون عن أي شيء من أجل الكسب المادي، وليس أدل على ذلك من ارتفاع أجر الخادمة إلى ما يقرب من (2000 3000) ريال شهرياً، في حين أن أجرها الطبيعي لا يتجاوز (800 1000) ريال، والفارق بالطبع يذهب إلى جيوب مَنْ يؤويها أو يساعدها على الهروب من كفيلها، ويقوم بتشغيلها لدى الآخرين. وأضاف: إذا حدث وتم إلقاء القبض عليه، أو أراد السائق الهارب أو الخادمة الهاربة السفر إلى بلاده، بعد أن جمع ما يكفيه من المال خلال فترة هروبه، فما عليه إلا اللجوء إلى سفارته، أو تسليم نفسه إلى الجوازات، التي سرعان ما تستدعي كفيلها لتخبره بوجود خادمته أو سائقه، وتخبره بأنه يريد السفر إلى بلاده، وأن عليه تسليمه جواز سفره أو استخراج فيزة مغادرة له خلال أسبوع، والأدهى والأمر مطالبة الكفيل الذي خسر ماله، ولم يستفد من الخادمة أو السائق بدفع قيمة تذكرة السفر ليغادر هذا الهارب والهاربة إلى بلاده بدون أدنى مساءلة. ويصف العمري الحل بقوله: يبقى الحل مطلوباً وممكناً من خلال تكامل منظومة الإجراءات بدءاً من التدقيق في منح تأشيرات الدخول والخروج عبر البصمة أو غيرها، مروراً بتشديد الرقابة على التحويلات المالية للعمالة الآسيوية، فكيف لعامل لا يتعدى أجره (من 800 إلى 1200) ريال تحويل عشرات الآلاف من الريالات سنوياً، دون أن نعرف مصدر هذه الأموال، فلم يصدر تعميم للبنوك بهذا الشأن. وقال: تكتمل المنظومة بضرورة إلزام العامل الهارب بسداد المبالغ التي أنفقها المواطن لاستقدامه، بالإضافة إلى غرامات أخرى تتناسب مع فترة الهروب، وهذه الغرامات يمكن أن تذهب لصندوق تنمية الموارد أو مراكز التدريب والتأهيل المهني، أو غيرها من الجهات التي تحتاج إلى موارد مالية، ولا يسمح للعمالة المنزلية الهاربة عند ضبطها بالسفر دون سداد هذه الغرامات، إضافة إلى تحمل قيمة تذاكر السفر، مع حرمانه من العمل مرة أخرى، وأن يربط تجديد رخصة السياقة بمدة الإقامة للسائق، وتجدد معها، ويعطى كفيله الحق في إلغائها في حال هروب السائق، ووضع إشارة في الحاسب الآلي تبين أن هذا العامل أو الخادمة أو السائق هارب، وتلزم نقاط التفتيش عند مرور أي عامل بالتأكد من سريان الرخصة والإقامة إن كان العامل أو الخادمة هاربين من خلال الحاسب الآلي، وأن يلزم الكفيل بوضع هاتف منزله وعمله وجواله في إقامة مكفوليه لتسهيل الاتصال به عند هروب مكفوليه. وأضاف: لا ينفصل عن هذه الوصفة العلاجية تشديد الرقابة على بيوت تشغيل الخادمات، والمكاتب التي تمارس هذا العمل بصورة غير نظامية، وكذلك توعية الأسر بمخاطر تشغيل العمالة المنزلية الهاربة.. وتحديد صلاحيات واختصاصات كل الجهات المعنية فيما يتعلق بحماية حقوق المواطن. وأبدى العمري تأسفه من الحلول المطروحة حالياً، وقال: تكشف الحلول المتداولة حجم العجز والتخبط والافتقار إلى الواقعية في تشخيص الداء ووصف الدواء.. وقال: ليس أدل على ذلك ما نُشر مؤخراً عن قيام وزارة العمل بإعداد لائحة تأمين ضد هروب العمالة المنزلية، حيث حددت هذه اللائحة مبلغ رسم تأمين سنوي على كل فرد من هذه العمالة، وبالطبع فإن هذا المبلغ سوف يتحمله المواطن، الذي أثقل كاهله أصلاً بمبالغ كبيرة لاستقدام سائق أو خادمة، وتنص اللائحة على أن تتكفل شركات التأمين بما نسبته (60%) من التعويض في حالة هروب العمالة المنزلية، بينما يتحمل مكتب الاستقدام النسبة المتبقية من التعويض. وحمّل العمري وزارة العمل مسؤولية هذا التخبط، معتبراً أنها مؤشر واضح على عجزها في علاج مشكلة هروب العمالة. وقال: إن فكرة التأمين أصلاً تقوم على أساس تخفيف أضرار حوادث لا يستطيع الإنسان الحيلولة دون وقوعها، كحوادث السيارات أو الحرائق، أو انهيارات المنازل، أو حتى إصابات الملاعب والعمل، وغيرها من الحوادث التي لا يسعى أحد إليها. وقال: لو سلمنا بمنطق وزارة العمل، الذي تتضمنه مثل هذه اللائحة في تعويض المواطنين عن الأضرار الناتجة عن هروب العمالة، يصبح من حقنا أن نسأل عن الآليات العملية التي تضمن وفاء شركات التأمين، ومكاتب الاستقدام بدفع قيمة التعويض، وتقدير المبالغ المستحقة، والوقت الذي يستغرقه ذلك. وانتقد العمري بعض الحلول التي يعتبرها غير واقعية التي صدرت مؤخراً، منها اتجاه اللجنة الوطنية للاستقدام بمجلس الغرف السعودية لتطبيق إجراء يتمثل في أخذ تعهد ملزم على ولي أمر الخادمة في بلدها أمام الجهات المختصة هناك، يكون ضماناً لعدم هروبها، ويتضمن هذا الإجراء مطالبة ولي أمر الخادمة بدفع كل التكاليف التي تكبدها المواطن في حال هروبها. وقال: إن مثل هذا الاتجاه قد يبدو مثالياً من الناحية النظرية فقط، أما مسألة تطبيقه فشيء آخر أقرب إلى المستحيلات، فولي أمر الخادمة الذي قبل أصلاً بسفر ابنته أو أخته للعمل خارج وطنها، بالطبع لا يملك القدرة على سداد المبالغ التي دفعها المواطن، التي تزيد على 15 ألف ريال. ويخلص العمري إلى القول: إن هذا التعهد إن حدث لا قيمة له من الناحية العملية، فإذا كانت سفارات الدول التي تأتي منها العمالة المنزلية، تُسهل في بعض الأحيان تسفير العمالة الهاربة، وتضغط كثيراً على الجهات الحكومية في حال تعرضهم لأي تجاوزات، فهل نتوقع من الجهات الحكومية هناك أن تلزم مواطنيها بسداد التكاليف، التي تكبدها المواطن السعودي في حال هروب خادمته؟ ويجيب قائلاً: بالطبع لا. إزاء هذا العجز في علاج ظاهرة هروب العمالة المنزلية، وغياب الواقعية عن كثيرٍ من الحلول المقترحة، يقول العمري: يصبح من المنطقي توقع تفاقم الظاهرة والخطر المرتبط بها، ويصبح لزاماً أيضاً أن نشكر جهود الأجهزة الأمنية في التصدي لهذا الخطر، في انتظار أن تبدأ وزارة العمل، وبقية الجهات الأخرى، البحث عن حلول عملية وواقعية تبدأ بالتعامل مع الأسباب الحقيقية للمشكلة، وفي مقدمتها تلك العصابات المنظمة التي تُسهل هروب الخادمات، مروراً بالمواطن الذي يتملكه شعور الأنانية، فيقبل بتشغيل الخادمة الهاربة أو السائق الهارب، متغافلاً عن مخالفة كل منهما لأنظمة البلاد، وقوانين العمل، ومشجعاً لهؤلاء العمال على ابتزاز غيره من المواطنين، واستغلال حاجتهم لتحقيق مكاسب مالية أكبر، وصولاً إلى ملاحقة المكاتب الوهمية لتشغيل الخادمات التي أصبحت أشبه بداء خبيث يصعب استئصاله، حيث تعمل هذه المكاتب بعيداً عن أي رقابة أو مساءلة. ويختتم العمري باقتراح طالما تحدث كثيرون عنه وهو ضرورة فتح قنوات جديدة مع دول أخرى لاستقدام العمالة المنزلية فيكفي الاحتكار.. وانظروا وقارنوا تكلفة استقدام العمالة التي تصل إلينا ونظيراتها في دول الخليج المجاورة لتعرفوا أننا مستهدفون في كل شيء، وأحياناً نكون نحن السبب في ذلك.