يستمتع -في هذه الأوقات- أغلب شرائح المجتمع بإجازة طويلة الأمد، بعد تعب ومواصلة داما أكثر من خمسة شهور، فأُهديت لهم هذه الإجازة لإراحة البال، والاستمتاع بالأوقات. لكن ما إن تبدأ الإجازة يبدأ الآباء والأبناء بالتذمر، والشكوى من الملل والفراغ، وفي أوقات الدوام يتذمرون من العمل وضغطه! يا عجبًا لابن آدم لا يملأ عيناه إلا التراب. آخٍ.. لو كان الوقت، و الفراغ يباعان و يشتريان، لفتحت محلًا صغيرًا لاستقبال من يريد البيع، فأشتري منه هذه النعمة التي غفل عنها، أو لم يستطع استثمارها بالطريق الصحيح!! يقول النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام: (نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس الصحة، والفراغ). ثم إذا بقيت عدة أيام على العودة للجد والنشاط، والعودة إلى العمل، تذمر وبدأ بإرسال تلك الرسائل السخيفة عبر «الواتساب» التي تتناول ذهاب الإجازة كأنه فقد إحدى عينيه!! عجبًا لك، قبل عدة أيام تتذمر من الفراغ والملل، وعندما أتى الذي يشغلك بدأت بالنواح والصياح!! أم أن جسمك قد ألف الراحة والهجوع!! هذا كله ثمرة عدم استثمار الإجازة فيما يعود عليك بالنفع، وإشغالها فيما لا ينفعك، فكأنك دخلت حربًا وعدت منها بخفي حنين، إن مازال معك الخفان!! عزيزي القارئ.. إن الإجازة مشروعٌ عظيم، الفراغ رأس ماله، وأنت رئيس مجلس الإدارة!! فإن أحسنت قيادة هذا المشروع جنيت منه أرباحًا هائلة. وهذا ما عبر عنه ابن القيم رحمه الله في معرض حديثه عن كيفية عمارة المسلم لوقته، فقال: ( إن عمارة الوقت تكون بالاشتغال في جميع آناء الوقت بما يقرّب إلى الله، أو يعين على ذلك من مأكل، أو مشرب، أو منكح، أو منام، أو راحة، فإنه متى أخذها بنية القوة على ما يحبه الله وتجنب ما يسخطه، كانت من عمارة الوقت، وإن كان له فيها أتم لذة، فلا تحسب عمارة الوقت بهجر اللذات والطيبات). فاحرص أن تبيت نيتك قبل الشروع في تنفيذ خطط مشروعك القادم، واحرص على أن لا تتكل على أحد -إلا الله – بإدارة مشروعك، وكن أنت المدير والرئيس والملهم الأول لمشروعك، فعند إخفاقك لا تقف وتهجع للراحة، فليس كل إخفاق فشلا، بل ابدأ بجمع قواك من جديد واقتحم مشروعك بقوة أقوى من ذي قبل، لتثبت لأعدائك أنك لا تستكين، ولا تضعف أمام أول عقبة، بل تصبر حتى يمل منك الصبر. وفي الختام يا كرام يقول الإمام الشافعي رحمه الله: «إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالرذيلة»، ويقول الشاعر: (إن الشباب والفراغ والْجِدَة مفسدة للمرء أي مفسدة).