قبيل أيام قليلة من انطلاقة بطولة كأس العالم لكرة القدم، بدأت أنظار العالم بأسره تتسلط نحو البرازيل مستضيفة البطولة التي تنطلق الخميس المقبل وتستمر شهراً كاملاً، والأدباء والمثقفون لن يكونوا استثناء، إذ إن كثيراً منهم ينظر إلى المونديال بوصفه مهرجاناً ثقافياً لا رياضياً فحسب. وتحظى كرة القدم بمكانة مميزة لدى عديد من الكتَّاب والأدباء، ليس على المستوى المحلي فقط، وإنما على المستوى العالمي. واشتهر كثير من الأدباء العالميين بحبهم لكرة القدم، حيث يزخر الإبداع الأدبي العالمي بعديد من الأعمال التي تحدثت عن هذه اللعبة الساحرة بوصفها مرادفاً آخر للحياة. القاص والروائي عمرو العامري، رغم عدم متابعته كرة القدم، إلا أنه ينظر نحوها بمنظار آخر، ويقول ل «الشرق»: «كأس العالم حدث عالمي، ولم يعد مقياساً لتقدم الدول في كرة القدم فقط، ولكنه أصبح ساحة منافسة لقدرة هذه الدول على تقديم منجز حضاري مقنع». ويرى أن «كأس العالم مثلاً، الذي تستضيفه البرازيل، لم يعد يحتاج ملاعب رياضية فحسب، ولكنه يحتاج بنية تحتية وحضوراً أمنياً وغنًى فنياً وثقافياً، وهو أيضاً رافد مهم للاقتصاد الوطني، وإبراز للهوية الوطنية، وللثقافة بمعناها الأشمل، فالكرة من زمن طويل تحولت إلى صناعة ورافد مهم للدخل الوطني». ويتابع العامري: «وكمثقف أعرف أن استضافة مثل هذه التظاهرة بحاجة إلى وعي عميق بمتغيرات العالم، ويؤسفي أني لن أرى ذلك على المنظور القريب في بلادي، لأننا ننظر إلى كرة القدم بمعزل عن تكاملية كل شيء. وعلى كلٍّ فأنا لست متابعاً جيداً للكرة، وإن كنت أقرأ حماها على كل منبر». وعندما نسأل الروائي خالد المرضي، الفائز حديثاً بجائزة أبها الثقافية، هل سيتابع بطولة كأس العالم لكرة القدم؟ فإنه يجيب: «بل إنني أنتظرها بشغف، كأس العالم ليست مجرد كرة قدم، بل هي حديقة كبيرة، قصائد شعرية وحكايات وأساطير، كأس العالم قوس قزح، نافذة أو شرفة نطل منها نحو عالم مليء بالجمال والفن، مزيج من الألوان والرقصات والجنون، الفرح والدموع، كأس العالم ليست مجرد كرة تتدحرج، بل ذاكرة للشعوب، فيها يسرح الخيال نحو فضاءات بعيدة، كأس العالم نصوص مختلفة، تذهب إلى قراء مختلفين». وتشكل منافسات كأس العالم فرصة للروائي المرضي للاستمتاع بهذه المناسبة والابتعاد عن أوجاع السياسة وقهر الإنسان، ويقول في هذا السياق: «بالنسبة لي مثلاً، سيذكرني منتخب كولومبيا بماركيز، ومنتخب اليابان برواية (الجميلات النائمات)، سأقرأ شعر بابلو نيرودا على قمصان اللاعبين، هناك استطرادات وشطحات وهناك كرة ستنتقل بحرفية مثل معزوفة موسيقية، عيوني لن تكتفي بمتعة المتابعة فوق مستطيل العشب الأخضر، بل ستتابع رقصات الأفارقة وأبواق قبائل الأمازون، كأس العالم فسحة نبتعد فيها عن وجع السياسة وقهر الإنسان، إنها محاولة لإقناع أنفسنا بأن هناك حياة لا تزال تحتفي بالجمال في ظل كل هذا البؤس».