وأخيراً أوشكت حالة الاستنفار في كل بيت أن تنتهي. معسكر ينصب داخل الدار يمنع كل ما قد يلهي الأولاد. يتوسط الأب والأم ساحة الوطيس، لحظة هنا ولحظة أخرى هناك، يشرحان لهذا ويجيبان استفسار ذاك. يا لهما من ملهمين. مسيرتهما لم تبدأ هذه الأيام، فهما دوماً يكملان دور المعلم الذي لا ينتهي في الفصل، والسؤال الذي يطرحانه لأولادهما كل يوم «ماذا تفعلون في المدرسة؟» لم يسمعا له يوما ما إجابة تقنعهما أو تريح بالهما. إنها أيام الاختبارات، الأيام التي يعلن فيها حالة الاستنفار في كل دار في البلاد. ظهرت قبل أيام فتوى بعدم جواز اختصار المقرر قبيل الامتحانات. تذكرت ما حدثتني به إحدى الأمهات بما أخبرها ابنها، أن المعلم في مدرسته الابتدائية يلقنهم الإجابات أثناء الاختبارات التحصيلية التي وضعتها الوزارة، لمتابعة سير العملية التعليمية بالمدارس. من الصعب تصديق ذلك، ولكنها تجاوزات تحدث فتستوجب البحث عن حلول لها. ترى، هل ننتظر فتوى بذلك ونتعلق بذمة ومدى الالتزام الديني للمدير والمدرسين؟ أم أن على الوزارة أن تضع نصب عينيها التجاوزات التي تحدث في مدارسها، وتقيم العقوبات والجزاءات على المخالفين. ذكر سمو الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في جدة في 26 رجب، عقب اجتماع اللجنة الوزارية المشكّلة للإشراف على مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، الذي يستهدف الارتقاء بمستوى الطالب، والمعلم، والإدارة، والمباني، بميزانية ضخمة تزيد على 80 مليار ريال، فقال «المعلم إن كان فاعلاً صالحاً جاداً منتمياً إلى مهنته، حريصاً على تأديتها على أكمل وجه، آتت الجهود في هذا البرنامج وفي غيره ثمارها، وإن كان غير ذلك-لا قدر الله- فإن كل الجهود والأموال التي تبذل لن تحقق الغايات المنشودة». نعم، 80 مليار ريال يمكن أن تذهب هباءً منثوراً-لا سمح الله- إن لم يكن الإنسان العامل في مجال التربية والتعليم يحسن تحمل المسؤولية. مبلغ كبير جداَ يستوجب الحيطة فيما لو كان ذلك الإنسان لا يساهم في أداء دوره كما يجب. لن تنهض الأمة إن لم يكن الإنسان يعي مسؤولياته ويعي عواقب تخاذله عن أداء مهامه. يعد المعلم من المحاور الرئيسة التي ذكرها سمو الوزير في التعليم، فهو العصب الرئيس في العملية التعليمية. إن المبادرة في التأهيل النوعي للمعلمين واعتماد خمسة مليارات للتأهيل النوعي للمعلمين لأمر غاية في الأهمية. لابد أن إيفاد نحو 25 ألف معلم ومعلمة إلى الخارج للتدريب في مدارس بدول متقدمة، سيكون له الدور الفعال جداَ في تطوير أساليب التعليم والتعلم. و بالرغم أن الأموال ليست كل شيء في تطور التعليم، وهذا ما يؤكده مستشار الرئيس التنفيذي لمؤسسة بيرسون، التي تقوم بالتصنيف العالمي لمعرفة أفضل نظام تعليمي عالمي، إلا أن هذا المبلغ ينم عن العزم على عمل كثير للنهضة بالتعليم. تتصدر كوريا وفنلندا قائمة أفضل أربعين دولة فيما يخص النظام التعليمي في العالم. دولتان مختلفتان ثقافيا من الشرق والغرب ولكن المقاييس والاختبارات أثبتت ارتفاع المستوى التعليمي بهما. ما هو القاسم المشترك بينهما؟ يقول مايكل باربر، مستشار الرئيس التنفيذي لبيرسون، إنه الاهتمام بالمعلم بالإضافة إلى تعزيز المجتمع للتعليم. لو اطلعنا على التقرير الذي أصدرته بيرسون عام 2014، نجد أن هناك عدة نقاط تتميز بها أنظمة التعليم التي تصدرت القائمة، أهمها تقدير مهنة التعليم في المجتمع، واحترام المعلم، بالإضافة إلى أهمية البيئة والثقافة والمجتمع التي تحيط ببيئة التعليم، فتسخير أفضل ما في المجتمع لتطوير التعليم والعمل على منع ما قد يضره سيدفع حتما بالتعليم قدما. ونجد أن التقرير يركز على دور الأهل، فرغبتهم في تلقي أولادهم أفضل مستوى من التعليم يعد شيئا إيجابيا قد يساهم في تطور التعليم. و من النقاط المهمة في التقرير هو الوعي والإدراك بأن التعليم ليس للعصر الحالي بل للمستقبل، فالتعليم يجب أن يهيئ الطالب للعمل ومتطلبات سوق العمل في المستقبل. لدينا أمل كبير في تطور التعليم ببلادنا، ونحن كمواطنين نشكر الله أننا ننتمي لوطن يقوده من يعي أهمية الإنسان، ويدرك أن التعليم هو من يبني الإنسان.