يقول العم عبد الله إنه عمل 26 سنة حارساً لمدرسة بنات، وكان الناس يتعاملون معه باحترام شديد وينادونه بالعم عبد الله أو»أبو حسن» أما اليوم فينادونه ب «ازهم يا» ويتمنى أن يضيفوا بعد الياء أي شيء كي يطمئن قلبه أنهم لا يضمرون شتيمة من أي نوع. يقول أيضاً إنه كبر هو وزوجته في السن، وأنه لو عاد بهما الزمن إلى الوراء لسميا أحد الأولاد ب «يا» فهي سهلة النطق وعلى الموضة كما يبدو بدليل أن الجميع يستخدمونها هذه الأيام ويظن أنه يفهم معناها، وهي تشبه «المدعو» تماماً في إيحاءاتها. هذا الحارس الطيب مر بثلاثة عصور مختلفة، ولكل منها قوانين وأعراف متنافرة؛ عصر «الغتر البرتقالية» وعصر «الفيديو كليب» وعصر «الدرباوية».. فأما العصر الأول فهو عصره الطيب أو كما يقولون عنه الزمن الجميل، وأما العصر الثاني فسمع عنه ورآه مع بداية الفضائيات، ووجد بعض بصماته على أولاده الذكور. العصر الثالث هو عصر «الدرباوية» وهو أسخف ما شاهده العم عبد الله في حياته كما يقول، وهو عصر منقطع تماماً عن السياق و ربما هو نتيجة تراكمات بائسة من الأمراض التي ظهرت على الشباب دون أن يتدخل أحد لمعالجتها، ويؤكد أن عصر «الدرباوية» منقطع عن البلد بالكامل وبلا مبادئ أو مروءات؛ مضيفاً «عوالنا متكبرين يا ولدي» وهي جملة مؤلمة ومعبرة بحق. العم عبد الله خرج من رحلته الطويلة بثلاث قناعات قد تبدو لكم صادمة ولكنه يؤكد أنها حقيقية، التي حفرت في قلبه كل معاناة السنين؛ القناعة الأولى أنه لا يوجد شيء اسمه أمان وظيفي، والثانية أن الأمناء ينقرضون بسرعة، والثالثة أن كل حارس مدرسة بنات وراءه قصة فشل عظيمة. يستحق أمثال العم عبد الله أن نحترمهم حينما نأتي لإحضار بناتنا من المدارس، وأن نناديهم بخير أسمائهم؛ إنهم يقومون بعمل رائع ومن حقهم علينا أن نعاملهم بلطف، فهم أضعف فئات المجتمع وأكثرها بؤساً، ويكفيهم أنهم يعملون بشرف وأمانة، وتذكروا «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» صدق رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.