على نَغَمِ بعضِ الأناشيدِ الإسلاميةِ التي اعتدنا سماعَها كبديلٍ إسلاميٍّ للأغاني والموسيقى في المدارس والأسواق والأماكن العامة، وعندما كان الأبُ على وشكِ أن يقولَ (بسم الله) ويتناولَ الطعامَ مع أولاده، يقتحمُ منزلَه بعنفٍ وبشكلٍ مفاجئ مجموعةٌ من المسلحين الذين يرتدون بذلاتٍ عسكرية، ويتوجهون إلى الأبِ فوراً ليقتادوه إلى خارجِ المنزلِ مع اثنين من أبنائه، وقد كان الأبُ يعتقد للوهلةِ الأولى أنهم من جيشِ المالكي، غير أنه أبدى في أثناءِ اقتياده خشيتَه أن يكونوا من جماعةِ (داعش)، ليصدُقَ حدسُه فيما بعد، ثم يؤمر هو وأبناؤه بحفرِ قبورهم بأيديهم، وفي مكانٍ آخر يقومُ أحدُهم بحزِّ رأسِ إنسانٍ إلى أن يسقط، وهو يقول: (اللهم اجعل هذا العملَ خالصاً لوجهِك الكريم)!، في مشهدٍ هو أبعد ما يكونُ عن الإنسانيةِ، ولا أظنك لو فتشتَ في أحلك عصورِ التاريخِ ظلاماً ستجدُ ما هو أقسى منه. كان هذان مشهدين بسيطين من إصداراتِ (داعش) يحملُ مسمّى (صليل الصوارم)، الذي يتم تداولُه على نطاقٍ واسعٍ في أوساطِ الشبابِ من أجلِ حثِّهم على الجهادِ في سبيلِ الله، وتبيانِ جهودِ المجاهدين الذين لا تأخذهم في اللهِ لومةُ لائم!، حتى غمرت نفحاتُ إيمانِهم بوابلٍ من الرصاصِ سائقَ التاكسي والشاحنة ومن هو ماشٍ في الشارع، وإني أخشى أن يُحكَمَ على الإسلامِ من خلالِ هذه الأفعال، لأن من يراها سيجدُ مبرراً للذين يعادون هذا الدينَ العظيم، كما أنَّ تصديرَ الإسلامِ بهذا الشكلِ الهمجيِّ قد يكون سبباً في زيادةِ الإلحادِ بين أبنائه، فالإنسانُ قد اعتاد أن يأخذَ الأمورَ بمظاهرِها، وليس بإمكانه الفصلُ بين الدينِ وأهله، وأمام هذه الفظائعِ والجرائمِ قد يتزعزع إيمانُ أيِّ أحدٍ ولو كان أتقى الناس، فليس كلُ البشرِ قد سمعوا بقومٍ كانوا يتساقطون في الماءِ زحاماً على العبورِ من أجلِ قتالِ الصحابة، وفتنوا الناسَ حين نظروا إلى وجوهِهم وإلى شمائلهم لِمَا رأوه من العبادةِ والصلاةِ وقراءةِ القرآن، حتى قاتلهم عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله ُعنه لِمَا سمعه من النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في فضلِ قتالهِم: (سيأتي قومٌ يقرأون القرآنَ لا يجاوزُ تراقيهم، يمرقون من الإسلامِ كما يمرقُ السهمُ من الرمية، لا يعودون حتى يعود السهمُ على فوقه، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه). لا أريدُ في هذا المقالِ الحديثَ عن الفظاعاتِ التي ترتكبها (داعش)، فإني مهما بالغتُ في تصويرِ ما تقوم به من تشويهٍ للدين، وإسرافٍ في القتل، فإنَّ صورةً واحدة أو مقطعاً مسرَّباً عبر اليوتيوب يغني عن ألفِ كلمةٍ، لكنَّ ما يدورُ في ذهني أسئلةٌ تتعلقُ بنشأةِ داعش، وتنامي شعبيتها بين الشباب، وظاهرةِ انخراطِ السعوديين في صفوفِها حين يذهبون للقتالِ في الخارج، ولماذا أغلبُ الدعاةِ يتجنبون الحديثَ عنها، ولا يتبرأون من أفعالِها؟!، مع أنَّهم تحدثوا في كلِ شيء، وتدخلوا في الطبِ والهندسةِ والاقتصادِ والسياسة، بل صدّعوا رؤوسَنا بأتفه القضايا، كتأنيثِ المحلاتِ النسائية، وقيادة المرأة السيارة!. من المؤسفِ أنَّ هذه الأسئلةَ لا أملكُ الإجابةَ عليها بشكلٍ دقيقٍ خاصة السؤال الأخير، لكن الأكيدَ أنَّ ممارساتِ (داعش) هي ترجمةٌ عمليةٌ لأفكارٍ نظرية، ونتاجٌ لعمليةٍ ممنهجةٍ في غسيلِ المخ، إذ لا يمكن لإنسانٍ سويٍّ أن يرتكبَ مثلَ هذه الأعمالِ العنيفةِ أو يؤيدَها، ما لم يكن مجرماً في الأصلِ، ووجد في هذه التنظيمِاتِ تعزيزاً لنزعته الإجرامية من خلال إكسابها صفةً مقدسة، فأصبح أكثرَ استعداداً للقتلِ والتنكيلِ من غير المجرم الذي يقدرُ قيمةِ النفس والحياةِ، فيقتلُ حين يقتل وهو كارهٌ للقتل، فالذي ينخرط في تنظيمٍ إرهابيٍّ يعتقد أن مجردَ الاشمئزازِ من حزِّ الرؤوسِ وقطعِ الأعناقِ دلالةٌ على ضعفِ الإيمان!، ولذلك فإن أقوى أنواع الإجرامِ ما كان مقدساً، لأن صاحبَه يرتكبه بلا وخزٍ للضمير!، وأخطرُ ما في (داعش) أنها تعملُ بنظامِ الخلايا النائمةِ التي تنشطُ مع أدنى إخلالٍ في الأمن، بدليلِ أنها لم تكن معروفةً في العراقِ وسوريا، ومع اعترافِنا أنَّها طيفٌ من جنسياتٍ مختلفةٍ بما فيها السعودية، غير أنَّ تعاطفَ السعوديين معها وانخراطَهم في صفوفِها مؤشران على وجودِ خللٍ في التربيةِ وطريقةِ التنشئة. وإنَّ أخشى ما أخشاه أن يكونَ الفاصلُ بين بعض المجتمعات و(داعش) هو الفوضى!.