قبل أكثر من أسبوعين توفيت الشابة ابتسام الفيفي «رحمة الله عليها» أثناء احتفالها مع زميلات لها في استراحة بخميس مشيط، أقمنها بأنفسهن للاحتفال بتخرجهن في الكلية. وسبب الوفاة والإصابات الأخرى كما قيل هو انفجار شمعة كهربائية وضعت على المنصة. وبغض النظر عن بقية التفاصيل والقصص الأخرى عن سبب الوفاة، فإن ما حدث يشير إلى أن هناك خللاً ما جرى أدى إلى هذا الحادث المؤلم. وكما هي العادة حينما تحجز القاعات والاستراحات لاحتفال نسائي، فإن أهم شرط يتم الالتزام به والتأكد من تطبيقه الصارم هو عدم وجود اختلاط، وأن المكان معزول تماماً عن وصول الرجال إليه. بينما تأتي الشروط الأخرى التي يفرضها الدفاع المدني لتوفير السلامة في المرتبة الثانية، أما الشروط الأخرى المرتبطة بنظافة المحل واستيفائه الشروط الصحية فكثير من الأحيان لا تعطى لها أي أهمية أو اعتبار، بل وتوضع في قائمة النسيان، فدورات المياه خالية من مقومات النظافة والحماية الصحية التي لا غنى عنها في الأماكن التي تستخدم من قبل عدة أشخاص، مما يعطي الفرصة للأمراض الجلدية والجنسية للانتقال من شخص إلى آخر جراء عدم توفير أدوات الوقاية والتعقيم الضرورية لنظافة هذه الأماكن. ومياه برك السباحة المكشوفة تترك دون إشراف متخصص يتكفل بوضع المواد الكيميائية الضرورية والمتوازنة لجعلها صالحة للسباحة العامة. ولست مبالغاً أن تشاهد مختلف أنواع الحشرات تصول وتجول في دورات المياه والغرف المخصصة للطبخ والطعام وكأنها مدعوة لمشاركة الضيوف احتفالاتهم. مثل هذا الإهمال الصحي قد لا يتسبب في حدوث وفيات أو حوادث فاجعة مثلما تتسبب غياب شروط ومقومات الأمن والسلامة في هذه الأماكن، فالدفاع المدني لا يمنح ترخيصاته بسهولة ولديهم قائمة من الشروط والمتطلبات التي يفروضنها على أصحاب هذه الاستراحات، ولكن بمجرد تسلم الترخيص والبدء في التشغيل، نجد التراخي والتسيب في تطبيق هذه الشروط. وليس الأمر مقتصراً على هذا الجانب فقط الذي يتحمل مسؤوليته كلا الطرفين «الدفاع المدني والمالك»، بل في كثير من الأحيان تأتي الخطورة من غياب شروط أخرى لا تقل أهميتها عما وضعها الدفاع المدني، ولنأخد برك السباحة مثلاً، فمن المتعارف عليه حينما تكون هناك برك سباحة -غير خاصة- أن يكون هناك حارس متخصص لمراقبة السابحين، يستطيع التدخل السريع حين حدوث خطأ ما، أو سقوط أحد لا يجيد العوم. وقد شهدت بعض الاستراحات وفيات بسبب عدم وجود المراقب القادر على التدخل في الوقت المناسب، وتقديم الإسعاف اللازم، وحتى لو توفر الحارس المناسب بين عمال الاستراحة، ما هو العمل حينما تستأجر هذه الاستراحات من قبل نساء فقط؟. مثال آخر هو طفايات الحريق، فالدفاع المدني يلزم بوضع طفايات حريق في المحلات التجارية وفي الاستراحات أيضاً، ويتم التأكد من تعبئتها بشكل دوري في المواقع المكشوفة كمحطات الوقود، ولكن هل يتم التأكد من أن هناك من يستطيع استخدامها. فكثير من هذه الاستراحات تشغل من قبل عمالة غير مدربة أو ماهرة لم يجر تدريبها على التعامل مع الحوادث مما يفضي إلى تفاقمها حين حدوثها بسبب عدم وجود من هو مهيأ للتعامل معها بشكل احترافي. ومرة أخرى كيف ستجري الأمور حينما يكون المستأجرون جلهم من النساء والأطفال الذين ليس لهم أي سابق تجربة في التعامل مع هذه الأدوات؟. ثم هل هناك مخرج طوارئ ومواقع للتجمع حين اندلاع حريق يقتضي الإخلاء. كلنا نتذكر حادثة استراحة أبقيق المشؤومة، فهل تم الاستفادة من دروسها؟ إننا الآن على أعتاب الإجازة الصيفية ويزداد الإقبال على استئجار هذه الاستراحات، من قبل الشباب والطلاب الذين يرغبون التمتع بإجازتهم ولا يجدون ما يكفي من أماكن الترفيه العامة التي توفر لهم متعة الاستمتاع بالإجازة الصيفية وقضاء الوقت سوياً مع زملائهم وأصدقائهم، فلا يجدون غير هذه الاستراحات ملجأً مناسباً لهم، خاصة أنها تحقق لهم الخصوصية والاستقلالية التي لا تمنحهم إياها الأندية الصيفية لوزارة التربية والتعليم، التي يطغى عليها الطابع الرسمي والدعوي مما يحد من جاذبيتها لكافة الأعمار، خاصة نوادي الفتيات التي تكتسي بطابع أكثر تشدداً من أندية الذكور. ولذا يتفنن أصحاب هذه الاستراحات في اختيار العناوين البراقة والبهرجة المفرطة لجذب مزيد من الزبائن الشباب، ولكن حادثة وفاة المرحومة الشابة ابتسام الفيفي تعطينا درساً بأن المظهر الخارجي والأسماء البراقة لهذه الاستراحات لا تعني أبداً أنها آمنة وغير عرضة لحوادث قاتلة بسبب توصيلات كهربائية مرتجلة وملفقة. كما أن عدم التأكد من تفاصيل ما سيجري داخل هذه الاستراحات من فعاليات ترفيهية واحتفالية دون مراعاة لشروط السلامة قد تؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه. فهل وضع الدفاع المدني والبلديات خطة مشتركة للقيام بزيارات تفقدية دورية لهذه الاستراحات المنتشرة في أطراف معظم المدن السعودية، للكشف عن نواقصها وعيوبها التي قد تكون قاتلة؟ إن التقيد المفرط بتفسيرات الفصل بين الجنسين في حالة الحوادث قد يتسبب في نتائج وخيمة، ولدينا من تاريخ الحوادث ما يدعم ذلك، ورغم أن الهلال الأحمر قد أصدر بياناً عن تحميل، من يعيقه عن القيام بواجباته الإسعافية، كامل المسؤولية عن الأضرار التي تحدث، إلا أننا وجدنا في حادثة استراحة خميس مشيط تكراراً لنفس الموقف الذي حدث مسبقاً في جامعة الرياض، فحينما وصل رجال الإسعاف إلى الموقع لم تسمح بعض النساء الموجودات في داخل القاعة لهم بالدخول. إن رضوخ رجال الإسعاف لذلك يعد تهاوناً منهم في أداء واجبهم، فالمسؤولية الملقاة على عاتقهم تفرض عليهم الدخول إلى القاعات المغلقة والمعزولة عن أماكن الرجال، وتقديم الإسعاف الضروري، الذي قد يكتب الله فيه إنقاذاً، للمصاب«ة» بغض النظر عن اعتراض كائن من كان. إننا في حاجة للتخلص من هذه القيود المضرة التي تعكس الغلو والتفسيرات المتطرفة التي كبلنا بها أنفسنا دون مراعاة للأضرار التي تلحق بالمصلحة العامة، وتتعارض مع مبدأ أن حياة الإنسان قضية مقدسة غير قابلة للمساومة.