أعلم أن ما أذكره لا يناسب البنوك، ولا يناسب من فكّر في الاتفاقية مع البنوك من أجل التمويل الإضافي للقروض العقارية… ولكن -وأتحمل ما أقوله- أنظر لهذه الاتفاقيات من جوانب أخرى خطيرة على مجتمعنا ولم نتعود عليها طوال حكم هذه الأسرة المباركة في الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، وحتى يومنا هذا العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين، والد، وأخو هذا الشعب.. هذا الشعب الذي ينظر إليه وإلى سمو ولي عهده نظرة تختلف عن قضية حاكم ومحكوم، بل تنطلق من الأبوة والشفقة بأبنائه وبناته وبكل ما يهمهم أو قد يلحقهم من ضرر. إن التمويل الإضافي خطر وضرر من عدة وجوه وأهمها: -1 أن هذه البنوك في تسابقها لعمل الاتفاقيات وتخفيض نسب الفوائد لم تجرِ وتبذل الجهد لنيل هذه الفرصة و «الكعكة» الشهية لأجل سواد عيون المواطنين ومصلحتهم، والدليل على ذلك أن هذه البنوك المحلية من أضعف وأقل بنوك الدنيا مساهمة في الخدمات الاجتماعية والإنسانية. فهي تهدف لخلق قنوات ربحية إضافية ومبدأها الغاية تبرر الوسيلة. -2 أعود لتاريخ هذه الدولة -أعزها الله بعزه- فإن المطلع على أحداثها وتواريخها منذ سنة 1158ه واتفاق الأمير محمد بن سعود والإمام محمد بن عبدالوهاب، وهي تسعى لخدمة الدين واجتماع الكلمة ووفرة العيش لكل أبناء هذا الوطن، واستمر الحال حتى أيام المحن والحروب والكوارث والشواهد، والأحداث كثيرة آخرها ما قام به الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بفتح الموائد والأطعمة وقت حصول الجدب وقلة ذات اليد حتى أن موائده يزيد عدد المرتادين لها عن خمسة آلاف يومياً، وعمَد جميع أمراء المناطق والقرى والهجر باستقبال المحتاجين، وخصص بنداً لذلك سماه (الإعاشة). ولم يتحمل المواطن أي أعباء أو خسائر، بل إنه منع تصدير الماشية والأرزاق إلى خارج البلاد؛ لذا فإن التاريخ يشهد بأن الدولة تسعى لمصلحة المواطن وعدم تحميله تكاليف سوف تكون سيفاً مسلطاً على رقبته طوال عشرين عاماً. -3 قامت الدولة بعد ذلك بإنشاء صندوق التنمية العقارية، وكان له دور يشكر عليه في سهولة الحصول على القروض وسهولة الصرف، وكان مبدأ التسامح وعدم الشدة هو مبدأ هذه الدولة؛ لأنها تنظر للمواطن من جانب الولاء والوفاء، وليس من جانب كم نحصل منه (وهذا ما سوف يتم) من هذه البنوك. -4 البنوك لا ترحم المقترض مهما كانت أسباب العذر؛ لذا فإن المواطن قد يجهل ما سوف يلاقيه من عنت ومشقة في تسديد قروض البنك، بل سوف يستمر هذا القيد في الرقاب طول عمره، وقد ينقل من بعده لورثته؛ لذا فإن الهم والتفكير سوف يكون شغل هذا المواطن ليلاً ونهاراً. -5 لو نظرنا إلى معدل الرواتب في إجمالي الموظفين لوجدناه في حدود خمسة آلاف ريال. والسؤال الذي يفرض نفسه من أين يسدد المقترض حقوق البنك مادام أن راتبه خمسة آلاف ريال. من المؤكد أن 30% سوف تذهب لتسديد قرض البنك، والباقي هو ثلاثة آلاف وخمسمائة ريال هي مصروف بيته وأولاده، وهذا المبلغ لن يكفي مع ارتفاع الأسعار وتنوع المصروفات والنفقات. -6 أقساط البنوك سوف تكون على حساب صحة ورفاهية المواطن؛ لأنه سوف يقلل من أنواع الأغذية والخدمات لأجل تسديد القرض، وبذلك أوجدنا مجتمعاً فقيراً يعاني طوال عشرين عاماً الهم والسيف المسلط عليه وعلى أسرته. -7 سوف تكون هناك آثار جانبية، وهي الأهم؛ فإن هموم المواطن وتفكيره في كيفية السداد سوف تولد نوعاً من عدم الانتماء والولاء لهذا الوطن؛ لأنه أصبح رهيناً للبنوك، وقد يمتد ذلك للأبناء والبنات، ونحن في غنى عن هذه الأمور التي لا تحمد عاقبتها. -8 هل يعقل أن يرهن منزل المواطن أو أن يحكم عليه بأحكام تضره لترك منزله، وقد تنشأ بعد ذلك أنظمة وقرارات ليست من مصلحة المواطن والوطن. -9 لن أتطرق لأسباب عمل هذه الاتفاقيات مع البنوك، ولكنها لا تبشر بخير، بل دليل على أن هناك مشكلة صعبة لم يُستطَع حلها، وأؤكد أنها سوف تزداد ما لم تتغير منهجية وأسلوب منح المواطن الأرض والقرض.