تحدثت في مقالي السابق عن أهمية التدوين التاريخي والدور الكبير الذي قدمه أولئك المؤرخون في ربط أجيالنا بتاريخهم الوطني، والجهد الكبير الذي بذله أولئك المؤرخون أيضاً في خدمة البحث التاريخي، وكان مقالي السابق عن شخصية قدمت إسهامات كبيرة في مسألة التدوين التاريخي خاصة في تاريخنا الوطني، إنه المؤرخ «محمد أمين» رحمه الله. وفي هذا المقال أحاول أن أنتقل بخواطركم إلى مؤرخ كبير أفنى سنين عمره في مجال البحث التاريخي خاصة في تاريخنا الوطني، حيث قدم لنا مادة مهمة عبر مجموعة من الكتب قام بتأليفها، وهي ذات صلة كبيرة بتاريخنا الوطني، ومازال إلى يومنا هذا وهو يعمل في ذات المجال رغم تقدم السن به. إنه مؤرخنا الكبير الأستاذ «عبدالرحمن بن سليمان الرويشد» وهو من مواليد مدينة الرياض (1347 ه الموافق 1928م) وتلقى بعضا من علومه الأدبية والشرعية فيها ودرس في دار التوحيد بالطائف إلى عام 1377 ه /1957م عند حصوله على شهادتي كلية اللغة العربية وكلية الشريعة. وهو من أسس مجلة «الشبل» الخاصة بالأطفال وقد كان أول عدد صدر لها في عام 1403 ه /1982م.كما ألف عديدا من الكتب عن الدولة السعودية الأولى والثانية. وقد ساهمت تلك الكتب في الكشف عن جزء مهم عن تاريخنا الوطني ومن أبرز مؤلفاته: الوهابية وحركة الفكر والدولة الإسلامية، الرياض في مائة عام، قصر الحكم بالرياض، الستون رجلاً خالدو الذكر، الجداول الأسرية لسلالات العائلة المالكة السعودية. ومن ضمن الكتب التي ألفها مؤرخنا الكبير كتاب مهم بعنوان «تاريخ الراية السعودية أعلام وأوسمة وشارات وطنية» وقد تحدث في هذا الكتاب عن أهمية الراية ونشأتها عبر الأزمنة التاريخية حتى قبل الإسلام إلى عصرنا الحديث، ومما ذكره في كتابه القيم أن علم الدولة السعودية حمل شهادة التوحيد» لا إله إلا الله محمد رسول الله» وأن هذا العلم متوارث وثابت منذ الدولة السعودية الأولى. وقد قدم في كتابه بإيجاز عن التطور التاريخي للملكة العربية السعودية ابتداء من الدولة السعودية الأولى فالثانية إلى عهدنا الحاضر، وما هو جميل بالكتاب تلك المصادر التي نهل منها مؤرخنا معلوماته، فبرغم صعوبة التدوين آنذاك وعدم وجود النصوص التاريخية، التي تساعد مؤرخنا في تتبع تطور الراية السعودية وكيفية نشأتها، ومن هم حاملو تلك الراية أثناء الحروب وغيرها مما يختص بموضوع البحث، إلا أنه وبخبرته البحثية تمكن من تدوين المعلومات جمعها من الرواة المعاصرين لفترة المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه ، الذين لديهم معلومات تاريخية عن أسلافهم الماضين أيضاً، فجمع مادة علمية موثقة عن تاريخ العلم السعودي، حيث أورد معلومات مهمة عن العلم في عهد المؤسس رحمه الله . فأشار إلى أن العلم كان أخضر اللون وصناعته من الحرير وبه جزء قليل أبيض يلي السارية، وبرأس السارية قرص من النحاس تعلوه حربة، كما ذكر أسماء من حملوا تلك الرايات في عهود الدولة السعودية الأولى والثانية، إلى أن وصل إلى عهد المؤسس الملك عبدالعزيز وأورد أسماء من كانوا يحملون الراية أثناء توحيده للدولة. وُيعد هذا العمل الذي قدمه مؤرخنا الكبير رصداً تاريخياً وتوثيقاً مهماً لمرحلة مهمة من تاريخنا الوطني الذي نحن بحاجة ماسة لقراءة كل شيء عنه، كما أن العمل الذي قام به المؤرخ من تأليف ورصد وجمع معلومات من أفواه الرواة وتدوينها ثم تمحيصها وإعادة صياغتها إنما هو عمل شاق فيه من التعب والأرق الشيء الكثير، ولكن بالصبر والهمة وعزيمة الرجال تمكن مؤرخنا الكبير من الإسهام في تقديم شيء جديد مهم عن تاريخنا الوطني. ومن يقرأ كتاب الراية السعودية يجد الجهد الواضح والعمل الكبير الذي بُذل لكي يظهر لنا بهذا الشكل الحالي له، وتستفيد منه الأجيال عند اطلاعهم عليه وقراءتهم له، وبهذا فإن مؤرخنا الكبير ساهم وبشكل واضح وكبير في إضافة جزء مهم في تاريخنا الوطني. اليوم وددت أن الفت النظر الى هذه الشخصية الوطنية الكبيرة أمد الله بعمره، في غمرة مرحلة حساسة من التاريخ الوطني التي تعد أحد أهم مدخلات بناء الهوية الفردية والجمعية السعودية، متمنيا من المؤرخين وأقسام التاريخ في الجامعات السعودية توجيه بعض مجهودها البحثي إلى هذه الشخصية تكريسا لمدرسته وبناء على تراثه الثري .