انتهت الانتخابات التشريعية الرابعة عشرة لمجلس الأمة الكويتي، وبدأ الكثيرون في داخل الكويت وخارجها في التسابق إلى تحليل نتائجها التي صفق لها البعض، فيما اعتبرها آخرون أنها حققت سلسلة من المفاجآت، وهناك من شكل الأمر بالنسبة له صدمة وخيبة أمل. وجاء الفوز الكاسح للمعارضة الكويتية ب 33 مقعداً هناك من يرى أن الرقم قد يصل ل 34 من أصل خمسين مقعدا في البرلمان كترجمة عملية إلى ما وصلت إليه الأمور مؤخرا في الشارع الكويتي، وأثر الاحتقان السابق في ترجيح كفة المعارضة في الانتخابات الأخيرة. لكن مهما يكن الأمر لابد من التسليم بأن نتائج الانتخابات لم تكن في حقيقة الأمر إلا مجرد انعكاس لإرادة الناخب الكويتي، ولأن الشيء يبنى على مقتضاه، مع وجود 34 مقعدا في البرلمان مقارنة بعشرين في البرلمان السابق. وباتت المعارضة عملياً تسيطر بشكل كامل على قرار مجلس الأمة، وهي بذلك أصبحت قادرة على تجاوز تأثير تصويت الوزراء غير المنتخبين البالغ عددهم 15 وزيرا، والذين يتمتعون عموما بموجب الدستور بحق التصويت في مجلس الأمة شأنهم في ذلك شأن النواب المنتخبين. وستشهد المرحلة القادمة في الكويت موجة تصعيد مواكبة للمرحلة الماضية، إذا لم تتماشَ الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ جابر المبارك الصباح مع أجندة المعارضة القديمة الجديدة ذات النفَس «المتجدد» بانضمام أسماء وطاقات شبابية جديدة إليها. وأمهل عضو مجلس الأمة الحالي وأستاذ القانون السابق في جامعة الكويت الدكتور عبيد الوسمي، ما أسماهم بالمفسدين في الكويت 24 ساعة فقط لمغادرة البلاد، قبل أن يحيق ما سيفعله بهم نيابيا بعدما صار عضواً في مجلس الأمة. وأعطى الوسمي إشارة أولية لتصور المرحلة المقبلة بعد ساعات قليلة من إعلان فوزه بالانتخابات، مؤكداً التزامه بالوعود التي قطعها لناخبيه قائلاً: «الآن أنا نائب وأقسم بالله العظيم إنني لن أحيد عن وعد واحد قطعته لكم». ويبدو واضحاً وجلياً تركيز المعارضة كما في السابق على موضوع مكافحة الفساد، وسرقة المال العام، ومحاكمة جميع المتورطين في قضايا «الإيداعات المليونية»، والتي باتت محليا تعرف بهذا الاسم. وتقف عند هذه المطالب أولويات المعارضة الكويتية، والتي ترى أن تنظيف سجلات المرحلة الماضية من الممكن أن يشكل نقطة بدء لمعالجة ملفات متراكمة، تتعلق بمشروعات تنموية تحتاجها البلاد، وهي التي تأخر الكويتيون في حسم أمرها، مما عطل عجلة التنمية في بلادهم، والتي يرى كثيرون أنها توقفت عن الدوران منذ أكثر من عشر سنوات مضت. وتذكر المعارضة الكويتية أولا اسم المعارض البارز مسلم البراك، والذي جمع في الانتخابات الأخيرة أكبر عدد من الأصوات في كل تاريخ الانتخابات الكويتية متجاوزاً بذلك حاجز الثلاثين ألف صوت، وبعد هذا النجاح الباهر الذي حققه البراك، والذي ينتمي إلى كتلة العمل الشعبي مع رفيقه النائب أحمد السعدون رئيس المجلس السابق، والمرشح الجديد لذات المنصب مع آخرين دفع العديد من النواب الفائزين إلى طلب الانضمام لكتلة العمل الشعبي ذات الصوت الأعلى في مجلس الأمة، وذلك للاستفادة من الزخم الشعبي الذي تتمتع به هذه الكتلة، والتي يعود للبراك الفضل في بروز اسمها كثيرا في الساحة السياسية الكويتية مؤخراً. وتعتبر كتلة العمل الشعبي ليست الوحيدة في ميدان المعارضة؛ فهناك التيار الإسلامي، والذي يعد سياسياً هو الفائز الأول باعتراف عام بأن القوى الإسلامية (الإخوان والسلف والمقربون منهم) في الانتخابات الأخيرة إذا ما فصلت مكونات المعارضة، وهم الذين حققوا نصرهم الأكبر في تاريخ مجلس الأمة، إذ حصلوا على 44% من أعضاء المجلس بمجموع 22 مقعدا. ومن الطبيعي أن الفوز الكبير الذي حققته المعارضة، يعني أن هناك خسارة كبيرة في الجانب الآخر أي في الجانب الحكومي أو جانب السلطة، وهي أول الخاسرين يليها في ذلك، أو يتقاطع معها النواب الليبراليون، والنساء، والشيعة إذا ما علم أنهم يعدون من نواب الموالاة. وخسارة الجانب الحكومي يعزوه البعض إلى الأداء المتردي للحكومات المتعاقبة على مدى سنوات في الكويت، أما فيما يتعلق بخسارة النائبات من النساء فإنه وفق رأي البعض يعود لسببين، أولهما أن القوى المحافظة الفائزة سعت لإبعاد المرأة عن المجلس وبعدها عن العمل السياسي ككل- كهدف رئيس من أهداف هذه القوى. أما السبب الثاني، فناجم عن أداء المرأة نفسها، فتجربة النواب النساء الأربع لم ترق إلى المستوى المأمول منهن. وعلى عكس المتوقع، فسريعا ما تحولن -ربما باستثناء واحدة لا أكثر- إلى جزء من الأوضاع السياسية التي رفعن في حملاتهن الانتخابية شعار تغييرها. وانخرطن في سلبيات تلك الأوضاع، وبالتالي؛ فإن المرأة في المجلس عوقبت لموالاتها للحكومة. ويمكن في ضوء هذه القراءة، الاستنتاج أن الكويت قادمة على فترة جديدة تمتاز بالسخونة، وعدم الاستقرار، داخل المجلس وبينه وبين الحكومة. وبهذا المعنى؛ يمكن القول أن الانتخابات التشريعية الكويتية، الهادئة والناجحة فنياً وتقنياً، أسفرت عن نتائج متفجرة سياسياً. النائب الشاب رياض العدساني بعد فوزه في انتخابات مجلس الأمة (رويترز)