ثلاثة أسئلة وصفها صاحبها علي بن جار الله بن عبود بالأسئلة المفخخة، كانت كافية لإخراج الناقد الدكتور سعيد السريحي عن هدوئه المعتاد. حيث افتتح ابن عبود، الذي عرّف نفسه بعضو اللجنة الاستشارية الشرعية ونائب رئيس لجنة الرقية في إدارة الأوقاف بخميس مشيط، مداخلته بقوله: سلام يستهل به الكلام ومن أدب المحادثة السلام، لديّ ثلاثة أسئلة مفخخة لا أدّعي فيها حسن النيّة ولا سلامتها. سائلاً: هل مازال سعيد السريحي على ضلاله الأدبي القديم بالنسبة للتخلّي عن اللغة العربية في الشعر والكتابة؟! وأين يضع السريحي نفسه؟ داخل الأقواس أم خارجها؟! وختمها بسؤاله: هل هلك سعيد أم نجا؟! ليجيب عليه السريحي بقوله: يا سيدى الكريم لست أعرف معنى السلام بعد عملية التفخيخ التي قمت بها. فهو سلام موارب. أمّا سؤالك: هل هلك سعيد؟! فهذا مقال له أكثر من عشرين عاماً كتبه الدكتور مرزوق بن صنيتان. وتساءل السريحي: هل لهالك أن يحظى بشرف أن يكون في هذا المجلس الكريم؟! وأضاف «لو أعطيتَ هذا المجلس حقه وقدره ما سألت هذا السؤال؛ لأنّك تعرف أنّ هؤلاء الرجال لا يستديرون حول هالك. وأضاف السريحي، أنا أخال أنني مؤدب فلم أتساءل هل أنت الهالك أم أنا؟!». وقال «أمّا التخلي عن العربية في الكتابة فلو أنّك رجعت للكتاب لوجدت أنني أستشهد بشواهد من العربية. فما تراه أنت كسراً لقواعد اللغة إنما هو احتمالات للغة كما قال سيبويه، وكنت أتحدث في مبحث كامل عن احتمالات الكلام». وأضاف السريحي: نعم ما زلت على ضلالي القديم؛ لأنني أرى أنّ اللغة العربية أكثر قدرة وأكثر إمكانات من احتمالنا، ما زلت على ضلالي القديم؛ لأنني أؤمن باللغة العربية ولو عرفتُ أنّ هناك من هو أكثر محبة لها مني ما تحدثت بها! جاء ذلك في الأمسية التي قدمها الناقد الدكتور سعيد السريحي في نادي أبها الأدبي، عن «جدل الحداثة والتراث في تجربة علي الدميني»، وأدارها الأديب أحمد التيهاني. حيث أشار السريحي في تحليله نصّ الدميني «بروق العامرية» إلى أنّ بروق العامرية ليست في حقيقة الأمر سوى بروق اللغة التي لا تقبل أن يحاصرها التاريخ في حقبة من حقبه المتوالية؛ لذلك يأخذنا ومضها في قصيدة الدميني، كما أخذنا ومضها في الشعر الجاهلي. وأضاف أننا أمام كائنات لا تطل من غير شرفة اللغة، ولا تستدعيها ذاكرة سوى ذاكرة اللغة. وذكر أنّ «بروق العامرية» تحيلنا إلى قصيدة المنخّل اليشكري «وأحبها وتحبني ويحبّ ناقتها بعيري»؛ حيث قام الدميني بتفكيك البيت إلى وحدتين «وتحبني وأحبها» ثم كتب «وبكلّ منعرج… وتحبّ ناقتها بعيري»، وكأنما حداثة الشاعر عندئذ تكمن في قوسين من الإرث؛ ليثبت لنا أنّ الحداثة ليست نقيضاً للإرث، وليست أمراً تالياً له، كما أنّها ليست نفياً لهذا الموروث الشعري إنما هي إعادة تشكيل له، وكأنّما أراد أن يقول لنا إنّ الحداثة كامنة داخل التجربة الشعرية الموروثة لو أحسنا قراءتها؛ لأنّ المسافة بين القراءة والكتابة ليست شاسعة. وذكر السريحي أنّ الدميني يعيد قراءة المنخل اليشكري. فيقرأ ما الذي بين هاتين الجملتين.. ما الذي يجعل من الحبّ المتبادل حباً كونياً ليصبح حباً بين الناقة والبعير؟ الحداثة محاولة لقراءة المسكوت عنه داخل التجربة الشعرية القديمة. وتساءل السريحي: هل كتب الدميني بيت المنخّل أم تصرّف فيه؟! وأجاب: لنتذكر المنخّل الذي يقول: «وأحبها وتحبني» بينما الدميني يقول: وتحبني وأحبها، فعل الحبّ الذي كان ذكورياً قي قصيدة المنخّل تحوّل إلى فعل للأنوثة في نصّ الدميني، وهي مقدّمة للحبّ. فعل الحبّ يتحوّل إلى فعل للأنوثة بعد أن كان فعلاً للذكورة. وأشار السريحي إلى أنّ علي الدميني يقرأ المسكوت عنه أو المخفي أو المغيّب. في التجربة العربية المرأة موقع الحبّ، وكأنّ الدميني يقول إنّ هناك ذاتاً مقموعة؛ لذلك أعاد الدميني كتابة بيت المنخّل لقلب العلاقة بين الفاعل والمفعول، ووضعها بين معكوفات، وكأنها تخاتلنا، غير أنّه يكسر القوسين من داخلهما وليس من الخارج لينقض العلاقة الداخلية باللغة. وختم السريحي محاضرته بقوله: إننا نرتكب جناية تجاه شعرنا الجاهلي حين نصمه بالماديّة والحسيّة؛ لأنّه شعر يبحث عن أنسنة العلاقة، ومنها هذه الروحانية في نصّ المنخّل التي تنكّر لها النقد وأعاد إحياءها علي الدميني حينما ينتهي بنصّه إلى النزعة الصوفية.