مع أنِّي ضدَّ أن تتحولَ الكتابةُ إلى نوعٍ من الخوضِ في الوجدانياتِ الخاصة، والاستغراقِ في الحديثِ عن الذات، غير أنِّي سأخالفكم إلى حيث أنهاكم، وأخبركم أنِّي سأكونُ هذا المساء – بإذن الله – برفقةِ معالي وزيرِ الصحةِ الدكتور عبد الله الربيعة في رحلته إلى منطقةِ الجوفِ مع عددٍ من الإعلاميين، و مع إيماني بسُموِّ الهدفِ، و نُبلِ المقصدِ، و رُقيِّ المبادرة؛ إلا أنِّي كنت متردداً بين إجابةِ الدعوة ِو ردها، لأسبابٍ منها ما يتعلقُ بالتزاماتٍ شخصيةٍ، ومنها ما يتعلقُ بالتزاماتٍ أدبية، لكنَّ ما ساعدني على حسمِ الموقفِ هو أنَّ المتصلَ هو الدكتور خالد المرغلاني – المتحدث الرسميّ لوزارةِ الصحةِ – الذي هو بحق من أكثرِ المتحدثين الرسميين لباقةً وأدباً وعلماً ومتابعةً لما يُكتَبُ عن الوزارةِ من أخبارٍ ومقالات، ولعلَّه بين المتحدثين هو الاستثناءُ الذي يؤكدُ القاعدة، ولحسنِ الحظِ أنه جاء في وقتٍ نحن أحوجُ ما نكونُ فيه إلى من يُذكِّرنا بوجود متحدثين لبعض الجهاتِ بعد أن نُسيت ملامحُهم وطٍُويَت أذكارُهم، فبعضُ الوزاراتِ تأنفُ أن تتحدثَ إلى الناسِ أو تُجيبَ على أسئلةِ الصحافة، مع أنهم أخبرونا أن الجهاتَ الحكوميةَ مطالبةٌ بالردِ فوراً على كلِ ما يكتَبُ عنها في وسائلِ الإعلامِ، وأن السكوتَ من قبلها يعني الإقرارُ والتأكيد!، ولا أُخفيكم أني احتجتُ لسنواتٍ لأكتشفَ أنَّ الجهاتَ التي لا تردُ معها حق، بل لو كنت مكانها لما رددتُ على أحد، و لقلتُ لمن سألوني: من أنتم!، فبالله عليكم؛ ماذا اتُخِذَ من إجراءاتٍ بحقِ الجهاتِ الحكوميةِ التي لم تلتزمْ بهذا القرار، وضربت بتلك التوجيهاتِ عرضَ الحائط!، و من لا يعرف فليسأل وزارةَ التعليمِ العالي، و ليرددْ معها: (أبشر بطول سلامةٍ يا مِربع)، هذا مع العلم أنَّ (مِربعاً) هذا هو آخرُ من مات بين بني جيله!. قد يكونُ من الأسبابِ التي جعلتني أترددُ في الموافقةِ على إجابةِ الدعوةِ هو خشيتي من أن أتحولَ من الكتابةِ عن وزارةِ الصحةِ إلى الكتابةِ لها، فالعلاقة حين تتحولُ من المهنيةِ إلى الشخصية، قد تجنحُ بصاحبِها إلى أن يتماوجَ بين الحبِ الشديدِ و البغضِ الشديد، وتكون أحكامُه غير قائمةٍ على أساسٍ موضوعي، و ليت شعري ماذا سيقولُ الناسُ عني فيما لو أخبرتهم بشكلٍ مفاجئ أنَّ: (الخدمات الصحية على خير ما يرام) وأنا الذي قلتُ لهم إنَّ: (الصحةَ لا تُسعِفُ أحداً في الظلام!)، فالمواقفُ حين تتبدلُ بسرعةٍ وبلا زيادةٍ في المعلوماتِ فإنها تكونُ أقربَ إلى المزاجيةِ و الانطباعِ الشخصيِّ منها إلى العدلِ و الحكمِ الموضوعي، فضلاً عن أنَّ الناسَ بمجردِ أن يعرفوا عن الكاتبِ أنه يجلسُ إلى المسؤولين، أو هم يجلسون إليه حتى يتهامسوا فيما بينهم ويُخرِجوا ألسنتَهم ثم يدخلوه في قائمةِ (المطبلين)، وإنَّ شرَّ الذنوبِ أن تقولَ لمسؤولٍ خلافَ واقعه، أو تُجاملَه على حسابِ الناس، وسيكونُ الإثمُ مضاعفاً عندما يترتبُ على هذا الفعلِ تعميقٌ للجراحِ وزيادةٌ في الأوجاع، لكنَّ ذلك لا يعني أنَّ من مستلزماتِ النجاحِ في الكتابة أن تكونَ ساخطاً على الدوام، لأنك بذلك ستساوي بين الذين يعملون والذين لا يعملون، وستكون نظرتُك إلى الذين يخطئون عن قصدٍ كنظرتك إلى الذين يخطئون عن غيرِ قصد، ففي نظري أن الجهةَ التي تتفاعلُ مع ما يُكتَب، وتسعى إلى تحسينِ أدائها خيرٌ ألف مرةٍ من تلك التي لا تهتمُ بما يُقَال ولا تقرأُ ما يُكتَب، و كان بإمكانِ وزارةِ الصحةِ أن تتعاملَ مع الناسِ كما تتعاملُ بقيةُ الجهاتِ الحكومية، فتمارسُ سياسةَ (التطنيش) و(الصمت) على أساسِ أنَّ(الحكومة أبخص)، أو تجترُّ تلك العبارةَ المبتذلة حدّ الاشمئزاز: (رضا الناس غاية لا تدرك)!، بما يُوحِي أنَّ الأكثريةَ راضون عن الأداء!، لكنَّ إصرارَ وزارةِ الصحةِ على معرفةِ رأيِ الناسِ فيها دليلٌ على أنَّها تريدُ الارتقاءَ بخدماتها، كما أنَّ الحالاتِ التي تصلُها عبر وسائلِ الإعلامِ يُنظَرُ إليها بشكلٍ جاد، كالحالةِ الُمشَارِ إليها في مقالِ (الصحة : هل تُسعِفُ أحداً في الظلام؟!)، حيث تم التواصلُ معها من قبل وزارةِ الصحةِ واحتسابُ نفقاتِ العلاجِ على حسابِها، كذلك فإن هنالك حقيقةً تقول إنَّ الناجحين على مستوى المهنةِ لا يمكنُ أن ينغمسوا في الفسادِ كغيرهم، ممن يأتون إلى المناصبِ بطرقٍ ملتويةٍ وغيرِ مشروعة، وعندما يفشلون؛ لا يكون من أسبابِ فشلِهم ما يتعلقُ بالشرفِ و الأمانةِ.