دأبت الإدارات على مختلف أحجامها وارتباطها على استقبال كبار المسؤولين فيها بشكل مجدول تحت مظلة استقبال رسمي، وهذا الاستقبال لا يكون مفاجئاً لغرض الوقوف على حقيقة الإدارة دون أن تستتر بمساحيق الزيف والتملق، بل إنه مُعد له مسبقاً ومرتب له بشكل كامل، فلا غرابة أن تضخ مبالغ طائلة للجان المشاركة في هذا الاستقبال، ليتمكنوا من صبغها بأدوات التجميل والمساحيق المختلفة التي تجعل من تلك الدائرة عروساً في ليلة زفافها، وربما تنجز مشاريع في وقت قياسي لا يصدق، كي تكون جاهزة قبل زيارة المسؤول، وهي في الأمس كانت متعثرة، بل و في طي النسيان، وربما كانت مدة تنفيذها بهذه الصورة الجديدة لا تقل عن سنة كاملة. لا شك أن العريس (المسؤول) سوف يرعى ويكرّم اللجان التي بذلت الجهد والمال وأضاعت الوقت لغرض التجميل المؤقت، الذي سيزول بعد خروجه مباشرة، بشرط أن يكون راضياً عن ما شاهده، ولعل التكريم متفاوت بين مدير الإدارة ورؤساء اللجان وأعضائها، والأوفر حظاً والأقل جهداً هو المدير الذي بُحّ صوته بتوجيه اللجان لبذل المزيد والمزيد والإشراف على البروفات. هنا نتساءل؟ لماذا هذا كله؟ من هو المحتفى به كي يضخ هذا المال والجهد ويهدر الوقت، أليس هذا المسؤول هو في النهاية موظف حاله كحال أي موظف آخر، ولكنه كلف بإدارة إدارته والإدارات الفرعية التابعة له وتفقدها والإشراف عليها، أم إنه موظف غير عادي بيده المنفعة وبيده المضرة، ولهذا قد يكون الاحتفال هو اتقاء لشره أو طمعاً في المنفعة، وإن كان كذلك، فلماذا يكذبون على بعض وهم يعلمون بذلك؟ الكل مطلع على حقيقة الأمر دون تصريح فما شوهد في الاستقبال لا يعكس الحال على مدار العام. فلمَ لا يكون هناك أمر مستديم بأن لا مساحيق ولا لجان ولا أموال في أي استقبال، بل ولا ترتيبات للاستقبال، ولتكن الزيارة مفاجئة دون علم مسبق، لكي لا (يغشون) بعضهم! وما أجمل البساطة والتواضع إلى جانب المسؤولية والحزم في آن واحد، وهكذا نوفر الوقت والجهد والمال ونكون صريحين، ويبقى المال في حرزه ويصرف في وجهه الصحيح. لو تأملنا بفوائد الزيارة المفاجئة لوجدناها إيجابية من كل النواحي، ولكم أن تستنتجوا إيجابياتها بتفكير مطلق. يحز في النفس أنه لا يزال هناك بعض المسؤولين يقدسون المنصب بشكل لا يصدق، وأنهم يبحثون عن الشهرة من خلاله دون تحقيق أهداف هذا المنصب فقط يريدون بروزاً اجتماعياً كي يستمتعوا بالتبجيل والتقديس. لا أشك أن ذلك مرض لم تخل منه أي إدارة، وأصبح ظاهراً للعيان لا يغطيه أيّ قناع. هذه الظاهرة تعد أرضاً خصبة للفساد الإداري بكل أشكاله، وعلى هيئة مكافحة الفساد أن يكون لها دور في كبح هذه الظاهرة وتحطيم حصونها، إضافة إلى إدراج التدوير الإداري المستمر ضمن الأنظمة، ويُلحق بذلك التقييم والمراقبة للأداء الفعلي، وأبرز الإنجازات من خلال كشف حساب شامل نصف سنوي يُعد بعناية ومصداقية، ومن يثبت تقصيره يُقال، والكفاءات لا تتوقف على شخص بذاته. وفي الختام.. تُبحر (المهنية) على ظهر قارب (الضمير)، فإن غرق القارب، فلا طوق للنجاة من بحر الفساد.