الشباب، مرحلة المنعطفات المصيرية، التي في الغالب تُحدد مسار الفرد متنبئةً له بالمستقبل، فقد تبين من دراسة حياة الناجحين أنهم تعرضوا لمطبات وأخطاء في حياتهم، ولكنهم استفادوا منها بشكل جيد، ما دعاهم إلى التفوق فيما بعد. على عكس الفاشلين، الذين تهيأت لهم فرص النجاح، لكنهم قدموا الكسل وآثروا قلة العمل، واستسلموا سريعاً، وهنا يبرز الفرق بين الإبداع والضياع في حياة الإنسان. قال لونجفلو: «يقدر الإنسان نفسه حسب الأعمال التي يعتقد أنه يستطيع إنجازها، ولكن العالم يقدره حسب الأعمال التي ينجزها في الواقع»، إنه التباين بين رؤية الفرد نفسَه ورؤية العالم من حوله، وما نعيشه في واقعنا الشبابي اليوم أمرٌ مُثير للتفكر. يعتقد بعض الشباب في أنفسهم القوة البدنية، والنبوغ العقلي، والسمو الروحي، وبالنزول إلى واقعهم نجد أنه فارغ من أي إنجازات في هذه المجالات، فهم ليسوا إلا نوعاً عادياً من الأفراد، توجههم الرياح حسبما تهب. ولكن بالتمعن في اعتقادهم الخاص، نجد أنه ليس رأياً عشوائياً أتى من فراغ، لأن أصدق ما يعرفه الإنسان هو ما يعرفه عن نفسه، فعندما يعتقد الشاب أنه مُبدع فقد يكون مُبدعاً فعلاً، لأنه يرى قدرته الإبداعية الباطنية، ولكن الخلل يكمن في عدم توظيف هذه القدرة وتحريك هذا الإبداع وإخراجه من دائرة الاعتقاد الباطني إلى التطبيق الواقعي الخارجي. وأما النوع الآخر، فهم من قال عنهم أمرسون: «للأوقات الصعبة قيمة علمية، إنها فرص لا يهملها من يحسن التعلم»، فهؤلاء هم المستفيدون من التجارب الفاشلة والناجحة على حد سواء، وهم المتقنون لعملية التعلم التي لا تقف عند الشخصية الجميلة فحسب، بل تتعدى إلى الاستفادة حتى من النماذج السيئة من البشر، وإلا فكيف نصل إلى درجة عالية من الجمال والكمال! إن حياة الإنسان مملوءة بالصعوبات والمثبطات التي بدورها تعيق حركة الشاب وتحدد مساحة انطلاقه إلى عالم النجاح. ومع اختلاف الفارق النوعي والكمي في المعوقات التي يتعرض لها الشباب في حياتهم، نجد أن حسن التصرف تجاه هذه المواقف الصعبة والدقة في اختيار المسار الصحيح، الذي بإمكانه تسخير هذه الظروف أمرٌ في غاية الأهمية، فقدرة الشباب الفكرية وطاقاتهم الروحية قادرة على إحداث نقلة رائدة في عالمهم الكبير، وهذا ليس أمراً سهلاً، كما أنه ليس صعباً أيضاً. وإجمالاً، نستطيع القول بأن كل شاب يحمل في جيبه مفتاحاً لمستقبله، وهو الوحيد القادر على تحديد نوع هذا المفتاح، فإن أخرجه في الوقت المناسب صار مفتاح النجاح، وإن غفل عنه أو أضاعه فقد صيَّره مفتاحاً للفشل. ومادُمنا في عمر الشباب فمازال هناك متسعاً من الوقت، لإعادة التفكير واتخاذ القرارات الجادة، التي بإمكانها تبديل حالنا اليوم بحالٍ أفضل في المستقبل، فلنتخير اللحظة المناسبة لنسلك طريق النجاح والإبداع، فيرتقي الشباب ويتطور المجتمع وينهض الوطن.