كان الناس يُملّحونه ويجفّفونه تحت أشعّة الشمس الحارة ليتحوّل إلى «سمك مجفف»، ومن ثمّ يتمّ تناوله لاحقاً. ولم يكن الناس يلجأون لهذه الوسيلة من «التخزين» إلا لأن وفرته كانت تفيض عن حاجة المستهلكين الذين يصطادونه من أقرب شاطئ. هذا ما كان عليه حال سيد أسماك الخليج العربي «الهامور». وهذا ما يتذكره عضو المجلس المحلي في محافظة القطيف، سعيد الخبّاز، الذي يتأسّف اليوم على حال هذه النوعية المهمة من الأسماك، بعد تراجع تكاثرها إلى مستويات مخيفة قفزت بسعر الكيلو الواحد منه إلى 90 ريالاً أحياناً. الأسباب متعددة، ومعظمها يتركز في التدمير الذي مُنيت به بيئة الخليج، وعلى رأس ذلك إزالة مساحات هائلة من غابات المانجروف، ثم وسائل الصيد الآلية التي تجرف قاع الخليج وتدمّر نباتات بحرية مهمة. وبعد هذين العاملين يأتي الصيد الجائر الذي يستهدف صغار «الهامور» المعروف محلياً باسم «البالول»، وهو ما يعني منع الأجيال الجديدة من النموّ على نحو خطر جداً. في أسواق السمك؛ يُعرض «البواليل» جهاراً نهاراً. أياً كان مقاس الواحد منه فهو متوفّر على مدار السنة. وحين تصل الأسماك الممنوعة من الصيد إلى السوق تتوقّف الذراع الرقابية عن أداء عملها. الرقابة منحصرة داخل البحر وعند الشاطئ؛ حيث يفرض حرس الحدود المعايير التي تضعها الثروة السمكية. وحين ينجح الصيادون المخالفون في تمرير صيدهم المحظور عبر نقاط التفتيش تتوقف الرقابة. هذا هو الواقع من الناحية الميدانية الواضحة تماماً. الصيادون يسلمّون الأسماك لتجار الجملة، وتجار الجملة يبيعون تجار التجزئة، ومن ثم يشتري منهم المستهلكون. ويمكن عرض الهامور الكبير إلى جانب «بالول» صغير لا يصل طوله إلى 30 سم. وينطبق ذلك على أنوع أخرى من الأسماك، مثل: الصافي، الشعري، السبيطي، الميد، وغيرها من الأنواع التي تُصطاد وهي في طور النموّ وتُباع في وضح النهار.. بلا رقابة. ويطالب نائب جمعية الصيادين في المنطقة الشرقية جعفر الصفواني ل «الشرق» ب «إنشاء فرق تفتيشية عند المرافئ، وقبل دخول السمك للسوق تعمل على مدار 24 ساعة؛ للتأكد من أحجام الأسماك وأنواعها». ويُرجع الصفواني استمرار المشكلة إلى سبب رئيس هو «وجود أنظمة معطّلة». وبسبب تعطيل الأنظمة فإن أقفاص الصيد التي يفقدها الصيادون في البحر تُعتبر «مقابر جماعية لجميع أنواع الأسماك الكبيرة منها والصغيرة»، كما يصف الصيد بالجرف القاعي بأنه «جريمة بيئية بشعة تنتهك الحقوق» واصفاً الرقابة بأنها «غائبة». الصفواني تحدث أيضاً عن المشكلات البيئية، وعن تطبيق دول الخليج الأخرى النظام بدقة؛ لذلك لا ارتفاع للأسعار ولا تلويث للبحار، وهناك فرق بحث خاصة تتدخل عند فقدان أي قفص صيد «قرقور» داخل المياه»، وهذا غير موجود لدينا. كما ينتقد الصفواني «عدم وجود مراكز أبحاث تعنى بإصدار التقارير عن نوعيات الأسماك المهددة بالانقراض كالهامور والميد والجواف والسبيطي». كما يشكو من «انعدام أنشطة التثقيف البيئي للصيادين حول خطورة الجرف على الشعاب، وكيفية اكتساب ثقافة الاستثمار في الأسماك». حرس الحدود يؤكد أن له دوراً يؤديه. ويقول على لسان الناطق الإعلامي في المنطقة العقيد بحري خالد العرقوبي إن «جميع الإجراءات تخضع للائحة الأمن والسلامة والغوص في الخليج العربي، ووزارة الزراعة ممثلة بالثروة السمكية هي التي تحدد الغرامات على المخالفين بعد تحويلهم إليها من حرس الحدود». ويؤكد العرقوبي أن «أغلب المخالفين من جنسيات آسيوية وليسوا سعوديين»، أما عن الأنواع المحظور صيدها فهي «الرُبيان فقط»، مشيراً إلى رصد 419 مخالفة خلال العام الماضي، وتتركز المخالفات في استخدام شباك صيد ممنوعة والصيد في وقت الحظر، والصيد في مواقع إقليمية محظورة». لكنّ لوزارة الزراعة إفادة مختلفة نسبياً، فهي تقول على لسان المتحدث الرسمي فيها جابر الشهري إن «الحظر لا يقتصر على الرُبيان فقط، وإنما هناك عدد من الأنواع البحرية يتم حظرها لحمايتها من الاستنزاف على سبيل المثال لا الحصر خيار البحر وبعض الأنواع من الأصداف البحرية». وفيما يخصّ الهامور حسب الثروة السمكية فهو «من العوائل كثيرة الأنواع وقد لوحظ في الآونة الأخيرة تدني مستويات المخزون السمكي في بعض الأنواع مثل (الطرادي – الناجل)؛ لذلك قامت الوزارة بإجراء دراسة هذه الأنواع بيولوجياً، ونتج على أثرها حظر صيدها بين شهري مايو ويونيو من كل عام، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في مخزونها في البحر». وعن موسم تكاثر الهامور يقول الشهري «لا توجد دراسات تُعنى بتحديد موسم تكاثر هذا النوع من الأسماك، وإنما يمكن تحديد ذلك من قبل المؤشرات الحيوية لها أثناء تتبع بياناتها الإحصائية؛ إذ يُعتبر فصل الربيع هو الموسم المناسب لتكاثر أغلب أنواع الأسماك، بينما تعتبر الفترة بين مايو وأغسطس أنسب موسم لتكاثر أسماك الهامور، أما فترة تكاثر أسماك الصافي فهي بين إبريل ومايو. وفيما يخصّ الإحصاءات الحالية يوضح الشهري أن «الوزارة بصدد نشر البيانات الإحصائية لبعض الأعوام، وتتمثل في البيانات للأعوام ما بين 2008 حتى 2010، كما تعمل على دراسة وتحليل البيانات الخاصة بالأعوام اللاحقة، وتظهر البيانات الأولية أن حجم الصيد في المملكة لعام 2012م يقدر ب 65771 طناً مترياً على ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي بشقيه التقليدي والاستثماري، وستظهر في وقت لاحق إحصائيات عام 2013م عند اكتمالها». وحول العقوبات التي تطال المخالفين يقول «نص نظام صيد واستثمار وحماية الثروات المائية الحية في المياه الإقليمية للمملكة على عقوبات مادية في شكل غرامات، فعند وقوع المخالفة للمرة الأولى يُغرّم المخالف 5000 ريال مع أخذ تعهد على الصياد والعمالة، وفي المرة الثانية تصل الغرامة إلى 10000 ريال مع سحب رخصة الصيد لمدة شهر، وفي المرة الثالثة يُغرّم 10000 أيضاً مع سحب رخصة الصيد لمدة شهرين، وتُسحب الرخصة نهائياً مع غرامة 10000 ريال في حال ارتكاب المخالفة للمرة الرابعة».