في كل مرة تطفو على السطح قضية من القضايا الاجتماعية ويتناولها الإعلام بشكل مكثف نجد من ينبري لها من بعض المحامين بشكل مفاجئ معلناً استعداده للترافع عن أحد أطراف القضية مجاناً في مشهد يثير الشفقة على هؤلاء ويؤكد أن القضية لا ترتبط بتعاطف ولا مبدأ شهامة بقدر ما هي فرصة للنفوذ إلى سماء الشهرة من خلال نقطة ضوء لاحت، والشواهد كثيرة على ذلك وقرأنا في وسائل الإعلام بعضاً منها ولن أستدل بأي واحدة منها حتى لا تفسر بشكل خاطئ أو يعتقد أنها تحامل على أحد ولكن لابد من تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي غزت مجتمعنا وأصبحت مثار تساؤلات فيما تحمله من أهداف وغايات قد لا تكون متباينة لوضوح أهدافها ودوافعها كونها تصب في هدف واحد وهو استغلال الوهج الإعلامي المصاحب للقضية من أجل لفت الأنظار إلى هذا المحامي أو ذاك ممن انبرى من بين الصفوف دون أن يطلب منه ذلك وكأنها فرصة سانحة أن يعلن عن نفسه كمحام بارز على ركام الكارثة أو المصيبة التي حدثت لكسب عملاء من أجل تحقيق مكاسب مادية بغض النظر عن قدرته على التعامل مع القضايا التي تتطلب وجود محام يترافع وفق نظام المرافعات الشرعية. هناك بعض القضايا لا تزال لدى الجهات المختصة أو لا تزال في وضع لا يسمح بعرضها على بعض الجهات وتجد من يستعرض ويلح ويطالب في أكثر من وسيلة أن يترافع مجاناً، وقد يكون من باب الاستجداء ليس إلا وهو إسلوب لا يمكن تفسيره بأكثر من ذلك. لقد طغت المادة على القيم وأصبح من المؤسف حقاً أن تجد من يتطوع لعمل ما بشرط أن يحظى بوهج إعلامي دون مراعاة للجوانب الإنسانية من منظورها الصحيح، وفي المجتمع حالات كثيرة تحتاج إلى من يترافع عنها وتوجيهها لمعرفة حقوقها بسبب جهلها بالأنظمة وعدم مقدرتها على توكيل محام للترافع نيابة عنها لدى الجهات القضائية وبأمس الحاجة لمن يمد يده من هؤلاء المحامين ولا يجدون من يقف إلى جانبهم في هذه المحنة الحقيقية وليس بمقدورهم التجول بين مكاتب المحاماة وقد لا يجدون من يقدم لهم المشورة فضلاً عن أن يتطوع للترافع عنهم مجاناً طالما أنها في الظل. إذا كان الإعلام يهطل فرصاً مجانية على من يفضل الاصطياد في الماء العكر من المحامين الذين يتطوعون لغير وجه الله تعالى ويسعون للبروز على حساب قضايا اجتماعية بطريقة مؤسفة فإن أفضل طريقة لهم أن يتعاملوا معها بما يرضي الله عزّ وجلّ وأن يتخلّوا عن هذه الطريقة التي يرفضها المجتمع الواعي وأن يبعث أحدهم إن كان يريد الأجر والمثوبة من الله بمن يتلمس عمل الخير سراً وبطريقته الخاصة ولو لمرة واحدة أو مرتين في السنة وسيجد كثيرا ًًمن الحالات المعسرة على أبواب المحاكم ودوائر التحقيق وأن يسعى بما وهبه الله من معرفة بالأنظمة والقوانين في نشر ثقافة الحقوق في المجتمع من خلال نشر بعض المطويات وما يجب أن يفعله أصحاب القضايا التي تواجههم في الحياة أمام جهات التحقيق والتقاضي، فهي خدمة اجتماعية يحتاجها الناس كثيرا ويمكن أن تسهم في توعيتهم بكثير من الأمور التي يجهلونها وستخفف من آثار الجهل بها وستبقى الحاجة قائمة إلى محام ولن تؤدي إلى قطع أرزاق المحامين أبدا بل إنها ستسهل من مهامهم وتوطد العلاقة بين المحامي وموكله بعيداً عن الانتهازية التي يمارسها بعض المتكسبين.