يتصور بعض المعنيين بالشأن العام أن الحديث عن التحرش هو نوع من التزيّد، مدّعين أنه لا وجود له أو أنه إن وجد فلا يمثل ظاهرة. ويتهم بعض هؤلاء الإعلاميين بتسليط الضوء على القضايا الشاذة وتضخيمها لصنع مادة للإثارة ومن ذلك قضية التحرش. غير أنهم يتناسون أن كثرة الحديث عن حوادث تتكرر وتتنوع وتأخذ أبعاداً إجرامية، يجعل منها ظاهرة تستحق المواجهة والعلاج. والواقع أن ظاهرة التحرش، وخاصة بالأطفال ومن لم يبلغ سن الرشد، أصبحت من الأمور المؤرقة لكثيرين. فعلاوة على أن التحرش سلوك لا أخلاقي يهدم القيم ويقفز فوق الثوابت، التي تعد بمنزلة أسوار حماية للمجتمع ضد الظواهر الدخيلة عليه، فإنه يترك أثراً مدمراً على الضحية التي تتعرض له، تاركاً عبئاً نفسياً عميق الأثر يثقل كاهلها، ويحول دون بقائها نقية. ومؤخراً، حذرت وزارة الصحة من هذه الظاهرة الخطيرة على مجتمعنا. ونظم المركز الوطني للإعلام والتوعية الصحية بوزارة الصحة خلال الأسبوع المنصرم برنامجاً توعوياً حول التحرش الجنسي بالأطفال استغرق ثلاثة أيام، وتم تخصيص هاتفاً مجانياً 8002494444 وصفحة لوزارة الصحة على تويتر @saudimoh للرد على أسئلة الأهل بخصوص مسؤوليتهم ودورهم في مساعدة أبنائهم لعدم التعرض للتحرش الجنسي وكيفية مساعدة الطفل في تنمية قدراته وغير ذلك من المواضيع. يأتي ذلك في وقت تقدر فيه بعض الدراسات معدل التحرش بالأطفال في المملكة بطفل واحد من بين كل أربعة أطفال، وهو معدل شديد الارتفاع. ويعرف الاعتداء الجنسي على الطفل بأنه استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق. وهو يشمل تعريض الطفل لأي نشاط أو سلوك جنسي. ويتضمن غالبا التحرش الجنسي بالطفل من قبيل ملامسته أو حمله على ملامسة المتحرش جنسيا. ومن الأشكال الأخرى للاعتداء الجنسي على الطفل المجامعة وبغاء الأطفال والاستغلال الجنسي للطفل عبر الصور الخلاعية والمواقع الإباحية. اعتبر الدكتور خالد الرقاص، أن التحرش الجنسي ظاهرة مستترة؛ لأن بعض من يتعرضون إلى الاعتداء الجنسي يخافون من التبليغ عن المعتدي، وبالتالي فإن أي إحصائيات بهذا الخصوص قد لا تكون دقيقة بشكل قاطع، مؤكدًا أن التحرش الجنسي قد لا يكون مقترنًا بالعنف، إذ إن الأطفال بطبعهم يميلون إلى الثقة والاعتماد على الآخرين، وقد ينفذون الأوامر المعطاة لهم إن كان ذلك سيكسبهم القبول والحب. وأوضح الدكتور خالد أنه يوجد عدد من الأعراض للتحرش الجنسي التي من المهم التنبّه لها، مع العلم بأن هذه الأعراض قد لا تكون بالضرورة ناتجة عن اعتداء جنسي، ولكن قد يوجد عامل أو أكثر ينتج إما عن اعتداء جنسي أو عن مشكلة أخرى، ويمكن تقسيمها إلى أعراض سلوكية نفسية وأعراض جسدية ظاهرية. وأضاف أنه بالنسبة للأعراض السلوكية النفسية، فإنها تبدو من خلال الانزعاج أو التخوف أو رفض ذهاب إلى مكان معين أو البقاء مع شخص معين، والشعور بعدم الارتياح أو رفض العواطف الأبوية التقليدية، والتعرض لمشكلات النوم على اختلافها كالقلق، الكوابيس، رفض النوم وحيدًا أو الإصرار المفاجئ على إبقاء النور مضاءً. أيضا يظهر على الطفل بعض التصرفات التي تنم عن نكوص مثل مص الإصبع، التبول الليلي، التصرفات الطفولية، وغيرها من مؤشرات التبعية، والخوف والقلق الشديد من زيارة بعض الأقارب، وتغير مفاجئ في شخصية الطفل، وظهور بعض المشكلات الدراسية المفاجئة و»السرحان»، والهروب من المنزل، واستخدام ألفاظ أو رموز جنسية لم تكون موجودة من قبل. أما بالنسبة للأعراض الجسدية الظاهرية، فقد أشار الدكتور خالد إليها بقوله قد تبدو من خلال صعوبة المشي أو الجلوس، أو أن تكون ملابسه الداخلية مبقعة أو ملطخة بالدم، والإحساس بالألم أو الرغبة في هرش (حك) الأعضاء التناسلية، إضافة إلى احمرار بعض الأماكن كالرقبة أو آثار للعض. وعن أبرز آثار الاعتداء الجنسي على الأطفال نفسيًّا وسلوكيًّا وجسديًّا، قال الدكتور الرقاص هناك عدد كبير من الآثار، تختلف من حيث حجم التأثير على المدى العمري للطفل، فكلما كان عمر الطفل أصغر كان التأثير السلبي أكبر، وهو يعتمد كثيرًا على مراحل النمو المختلفة للطفل ونوع الاعتداء الواقع عليه ومدته. وهناك تأثيرات كثيرة للاعتداء على صحة الطفل الجسدية والنفسية، ومن أهمها اختلال الصورة الذاتية ونقص الثقة بالنفس والشعور بالذنب والخزي وانتهاك واحتقار الذات والخوف من تكرار الاعتداء ومن العلاقات المستقبلية. كذلك هنالك تأثيرات للاعتداء على المدى البعيد، ومنها المشكلات العاطفية والشك العاطفي والمشكلات السلوكية والانحراف، وضعف التحصيل الدراسي، وتكرار التعرض للاعتداء، وعدم الرغبة في الزواج. من جانبها، أوضحت الاختصاصية الاجتماعية ليلى علي وهبي، أن مساعدة الطفل في تنمية قدراته تكون من خلال رفع معنوياته، والثناء عليه في حال عمل شيء جيد مع أهمية المحافظة على تغذيته السليمة، والنوم مبكراً، وعدم تركه مع العاملات المنزليات لأوقات طويلة، وتعليمه عدم التحدث مع الغرباء أو مصاحبتهم، وعدم السماح له بالجلوس أمام التلفاز لفترات طويلة كمتلق ومستقبل فقط، والأفضل إشغاله بالألعاب التي تنمي بدنه وعقله وقدراته واستغلال طاقته البدنية والعقلية في الإنتاج والإبداع وإيجاد هواية تناسب ميوله وعمره واتجاهه. وأشارت إلى أن للأسرة دورها الهام في تجنيب الأطفال التعرض للتحرش الجنسي، وذلك من خلال وجودهم الدائم حول الطفل وإشعارهم بحبه وأنه مهم في حياتهم والحرص على توعيته بحواسه والتركيز على مناطق التحرش الجنسي، والسماح له بمشاركته أحاديث الأسرة والاستماع لأسئلته والإجابة عنها بعقلانية وتشجيعه على الحديث، والتعرف على أصدقائه وتحذيره من مصادقة من يكبرونه سناً. وشددت على أهمية مراقبة الأهل لتصرفات الطفل الحركية والنفسية وتقديم النصح للطفل وتوعيته بأن هناك مشكلة اسمها التحرش بالأطفال، وتكون النصيحة إيحائية، بأن نقصّ قصة عند اجتماع العائلة ويكون من مضمونها النصح والتعريف وطريقة الحل، مع بث الثقة في الأبناء وإشعارهم بمكانتهم وأنهم أحسن من غيرهم في سماع النصح والطاعة، واتباع سبل السلامة لتجنب الوقوع في التحرش من قبل الآخرين بأخذ الحذر. وعن كيفية توجيه الأهل ليثقفوا أطفالهم بخصوص التحرش الجنسي بأسلوب بسيط وبطريقة تدريجية، تتناسب مع مستواهم الفكري. والعمري قالت لابد على الأهل من تعريف أبنائهم بمعني التحرش الجنسي وأنواعه لأن الطفل لا يعرف معنى التحرش، وأنه من الجرائم التي يجب أن يعاقب الجاني عليها ويكون التعريف بطرق التحرش وماهيته من خلال التوضيح له بعدم السماح لأحد بلمس جسمه أو أعضائه الحساسة، وعدم السماح لأحد بأن يعطيه قبلة مع الانتباه لاستخدام الكلام اللطيف للاستدراج، وعدم قبول بعض السكاكر والهدايا بلا مناسبة، ووعده بنزهة في الملاهي أو ترغيبه في الأماكن المثيرة للأطفال. واعتبرت ليلى وهبي أن الطفل يتكلم عن الاعتداء إذا وجد أن والديه متفاهمان، وشعر بأن الحب يسود الاسرة، وأنه عضو مهم في الأسرة، وإذا ضمن أن والديه لن يؤنباه أو يتهماه بأنه السبب. وعليهم أن يستقبلوا المشكلة بهدوء وروية ولا يرتبكوا أمام الطفل ولا يخوفوه مما وقع فيه، ولا يضعوا اللوم عليه، بل يجب تشجيعه وشكره لأنه أخبرهم بما حصل له. وعليهم أن يعدوه بأنهم سيحموه ويحلوا المشكلة، ويخبروه أن مثل هذه التصرفات الخاطئة يجب أخذ الحيطة والحذر دائما منها، وأن الجاني يجب أن يعاقب على فعلته السيئة، وأن هذا العمل ضد الدين والأخلاق والإنسانية، كما يجب تقوية الوازع الديني لديه، وأنه إذا استعان بالله سيساعده. وبعد حصول هذا الفعل المحظور يجب مراقبة الطفل وعدم تركه لمفرده والسرحان وتخيل ما حصل والشعور بالوحدة، كما يجب إشراك الطفل بعمل رياضي أو هواية وتكثيف الرياضة الحركية وذلك بعد عرضه على طبيب لفحصه وعلاجه، وإذا احتاج الأمر أن يعرض الطفل على اختصاصي أو طبيب نفسي أو اجتماعي، ليتم توجيه الوالدين وإخراج الطفل من المشكلة بإذن الله.