في بلد ليس بالفقير مثل المملكة، يستورد أكثر من مليون سيارة بقيمة تزيد على 82 مليار ريال، يبدو من الغريب أن يتم الترخيص لمصانع تعيد تأهيل إطارات السيارات التالفة. فلاشك أن كثافة الإطارات المستهلكة التي لا يزيد عمرها الافتراضي عادة على سنتين منذ تاريخ إنتاجها، قد أوجدت سوقاً مربحة للمتعاملين في إعادة تأهيل تلك الإطارات، أو ما يُعرف بتلبيس الإطارات. وهي عملية غير مضمونة العواقب، إذ أن عمليات التلبيس هذه يصعب أن تعيد الإطار إلى حالته المصنعية الأولى، خاصة إذا ما تعرض للتلف. ونشطت وزارة التجارة والصناعة مؤخراً في متابعة مصانع تلبيس الإطارات، وأغلقت في غضون شهرين أكثر من عشرة مصانع في جدةوالرياضوالشرقية، لمخالفتها المواصفات، بما يهدد سلامة المستهلك. وفي جدة وحدها أغلقت التجارة أربعة مصانع في هذا التخصص وصادرت أكثر من 2500 إطار كانت كفيلة بإيقاع حوادث مرورية بعددها. ومن بين ما رصدته حملات التجارة من مخالفات في تلك المصانع سوء التخزين، وهي من العوامل التي تعجل بتلف الإطارات، حيث إن تخزينها بطريقة عشوائية تحت أشعة الشمس يعرضها للتلف ويجعل استخدامها خطراً على حياة المستهلك. كما لاحظت التجارة عدم مطابقة الإطارات التي يتم تلبيسها بتلك المصانع المواصفات والمقاييس السعودية. وكانت وزارة التجارة بالتعاون مع الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس، أطلقت حملة شاملة في جميع مناطق المملكة على مصانع تلبيس الإطارات غير الملتزمة بالمواصفات القياسية السعودية، التي قد تتسبب في كثير من الحوادث المميتة لمستخدميها، مؤكدة أنها ستعمل على إيقاع عقوبة الإغلاق بحق المقرات المخالفة، مع استدعاء الملاك للتحقيق وتطبيق الأنظمة. وأغلقت التجارة قبل مصانع جدة الأربعة، مصنعين في الرياض، وثالثاً في الزلفي، إضافة إلى ثلاثة مصانع في المنطقة الشرقية. وتختص مصانع تلبيس الإطارات فقط بإعادة تدوير وتجديد إطارات الشاحنات، شريطة أن تكون الإطارات قابلة للتجديد، إلى جانب الالتزام بالمواصفات والمقاييس الواجب توفرها عند التجديد، واجتيازات السلامة على الإطارات المجددة للتأكد من سلامتها. وتقدر كميات الإطارات المستهلكة في السعودية بالملايين نظراً لضخامة السوق التي بلغ عدد السيارات الواردة إليها في خمس سنوات فقط منذ 2009 – 2013 أكثر من أربعة ملايين سيارة. وبينما يقتصر التجديد نظاماً على إطارات الشاحنات، تبدو هناك سوق خفية لبيع الإطارات المستخدمة للسيارات الصغيرة والشاحنات ودون تجديد علماً بأنها في الغالب تكون قد تجاوزت شروط السلامة وتعدت مدة الصلاحية المقررة لها وفق مصنعها. وتجد هذه السوق زبائنها من مستخدمي السيارات القديمة نسبياً، الذين يفضلون شراء إطارات لا تكلفهم أكثر من خمسين ريالاً، لكن تكلفتها الحقيقية تأتي لاحقاً عندما تنفجر أثناء السير وتتسبب في وفيات وتلفيات كبيرة في السيارات. ونشطت صناعات إعادة تأهيل وتجديد الإطارات من هذا المنطلق، حيث يسعى بعض المستثمرين إلى استغلال هذا الفاقد الكبير من خلال إعادة تأهيله. وثمة جانب آخر من الصناعات يعتمد على الإطارات المستهلكة أو التالفة وهو إعادة تدوير واستغلال الإطارات سواء بإدخال المطاط المستخرج منها في صناعة مواد أخرى، كالخراطيم والمركبات غير الصلدة والمسطحات الرياضية والأرضيات، أو استغلال الحديد المستخرج منها كخردة. وأصدرت الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة 24 مواصفة قياسية في مجال إطارات السيارات والجنوط بهدف حماية الأرواح والممتلكات والحد من الحوادث المرورية المؤسفة الناجمة عن الإطارات نتيجة لسوء اختيارها أو الخطأ في استخدامها أو كليهما معاً. منها 19 مواصفة للإطارات وخمس للجنوط، تتضمن عديداً من الاشتراطات والمتطلبات الفنية التي يجب توافرها في الإطارات كتاريخ الإنتاج، والتحمل ودرجة الحرارة، والثبات، والسرعة، ومعامل الحمل، ونصت المواصفات على أن لا تزيد فترة صلاحية الإطار عن عامين بالنسبة لإطارات سيارات الركوب والحافلات والشاحنات الخفيفة وعامين ونصف العام للشاحنات الثقيلة، واشترطت على الوكيل أو الموزع للإطارات إعطاء المستهلك وثيقة ضمان للإطار (أو الإطارات) على ألا تقل مدة سريانها عن سنة من تاريخ البيع، ويسري الضمان على الإطارات الملحقة بالسيارات الجديدة. وتتيح شركات عديدة، غالبيتها إيطالية وألمانية، خطوط إنتاج وآلات مختلفة لتأهيل وإعداد إطارات الشاحنات والمعدات الثقيلة وإعادتها لحالتها الجديدة. وتقوم هذه الأجهزة بمراحل كاملة لتجهيز الإطار وصقل وكشط وحقن وتفريغ الهواء ما بين الكفر والدعسة، الذي طالما كان سبباً رئيساً في انسلاخ الكفر أو تهالكه بسرعة. وتتم بعد ذلك عملية التلبيس بالنظام البارد حرصاً على سلامة هيكل الإطار. وتتراوح أسعار تلك الآلات بين 20 ألف دولار ونصف المليون دولار، وتختلف وفقاً لأدائها وطبيعة وظائفها. ولكن هل تتناسب الربحية مع تكاليف هذه الصناعة؟ وما الذي يدفع إلى الترخيص لمصانع بهذه التكلفة العالية بينما لا تلتزم بأبسط المعايير والمواصفات؟ وكيف تمنح التراخيص مع عدم توافر آليات مناسبة للتخزين أو عدم التزام بإجراءات السلامة؟! وتتعرض إطارات السيارات للتلف بتأثير من عوامل مختلفة قد لا يتنبه إليها عديد من المستهلكين. ومن ذلك تركيب إطارات غير مناسبة للسيارة، وإساءة اختيار الإطار المناسب لمتوسطات درجات الحرارة السائدة، وكذلك عدم الانتباه لقدرة الإطار على تحمل حمولات مختلفة، فضلاً عن عدم أهلية الإطار للقيادة على سرعات معينة. وتسجل على الإطارات معلومات تفصيلية تبين طبيعتها وجميع مواصفاتها، وهو ما لا يتاح معرفته في حالة الإطارات المستعملة التي لا يهم من يقبل على شرائها معرفة تلك التفاصيل المعلوماتية المهمة. ومع الأسف فإن هؤلاء كثيرون، وتمنعهم قلة خبرتهم بهذا الشأن من الوقوف على مدى صلاحية الإطار لاستخداماتهم، الأمر الذي يعرض حياتهم لاحقاً للخطر. ومن المعلومات التي يحملها الإطار نوعية الإطار، وهل هو مخصص لسيارات الركاب الصالون والدفع الرباعي أو للشاحنات الخفيفة أو الشاحنات التجارية الكبيرة. كما يتم تحديد عرض الإطار وارتفاعه بحيث يتم اختيار الملائم لتصميم السيارة. كذلك تكشف معلومات الإطار، عن تصميمه وما إذا كان يستخدم طبقات من الأحزمة الفولاذية أو الأحزمة النسيجية، إضافة إلى قطر الجنط ويقاس بالبوصة، ويجب مراجعته مع مواصفات السيارة المثبتة على جدار باب السائق لمعرفة المقاس المناسب للسيارة. ويتيح مؤشر الحمولة، معرفة الحمولة القصوى للإطار عند السير بسرعات محددة. ويقصد بالحمولة القصوى الحد الأقصى للوزن المحمل على الإطار، بما في ذلك وزن السيارة والركاب والشحنة. أما معدل السرعة فيشير إلى السرعة القصوى التي يتحملها الإطار في الظروف الاعتيادية، ويدل مؤشر تآكل مداس الإطار على مدى مقاومته التآكل، ويزيد في الإطارات الحديثة عن 300. أما مؤشر الاحتكاك فيعد مقياساً لقدرة الإطار على الوقوف على الأسطح أو الأرصفة الرطبة. ويتيح مؤشر مقاومة الحرارة معرفة قدرة الإطار على التخلص من السخونة، ويوصى في دول الخليج بأن يتم اختيار الإطار الأعلى مقاومة للحرارة. أيضاً يتم تحديد ضغط الهواء المناسب للإطار، والحد الأقصى الذي يجب أن لا يتجاوزه. ويحدد الرقم التسلسلي تاريخ ومكان صنع الإطار ومدى التزامه بمعايير السلامة. ** ويبقى السؤال، إذا كانت تجارة السيارات وما يرتبط بها من سوق عامرة للإطارات تقتطع المليارات سنوياً، فما الذي يمنع تأسيس مصانع لإنتاج الإطارات في المملكة وسن أنظمة لوقف حالة الإغراق التي تتعرض لها سوق الإطارات، بحيث توجه الإطارات التالفة أو القابلة للتجديد إلى صناعات أخرى كالأرضيات والملاعب والمنتجات الرياضية فتفتح رافداً جديداً يدرُّ أرباحاً عالية؟