الماركات العالمية متنوعة، وأسعارها مجنونة، ومجنون من يركض خلفها، أو جيبه «مليان»، والحمد لله، أنا لست من الشريحتين، لا الأولى ولا الثانية، أنا من شريحة ثالثة هي «VID». في يوم ما ذهبت مع ابن اختي (مراهق) لمجمّع تجاري كي أشتري «بذلة إفرنجية» – «لزوم» سفرة خارجية عاجلة-، أشتريت بذلة غالية، لأول مرة في حياتي، كي أحفظ ماء وجهي أمام ابن أختي، اشتريتها حتى لا يقول «خالي بخيل»، ثم أوقفني ودعاني لشراء ساعة وأخذ يعدد أسماء ماركات لم أسمع بها في حياتي، اشتريت ساعة (ليست ماركة بل شبيهة بإحداها) تطييباً لخاطره، وأردت أن أشتري محفظة نقود، ففقع أذني «خالي.. خالي.. هذي ماركة»، أشتريت أيضاً محفظة مقاربة في الشكل من الماركة، تطييباً لخاطره، و«كشخة» لي. بعد أن عدت من السفر، وحسبت مصاريفي، عاهدت نفسي أن لا آخذ ابن اختي معي مرة أخرى إلى السوق ما حييت، فأنا مغرم ب»الحراج» (حراج الدمام، الصواريخ، بن قاسم) أجد فيه لذة ومتعة، وأشتري منه ما أريد بسعر معقول. دائماً ما كنت أقول إن الزي الرسمي السعودي غير مكلف مادياً، مقارنة مع الملابس الأجنبية، ولكن بدأت أتراجع عن ذلك بعد أن دخل الثوب والشماغ والعقال عالم «الماركة»، أسماء أجنبية، وتصاميم غريبة، ما دفع ببعض الشباب إلى الاتجاه لارتداء البنطال والقميص، ولم يعد يعرف الزي الوطني إلا في المناسبات، نتيجة لأن سعر الملابس «الإفرنجية» أصبحت أرخص ثمناً وعملية أكثر. فهل يصمد الشماغ والعقال والثوب أم يندثروا وقد أخذت أسعارهم في الارتفاع. كان أغلى شماغ في السابق بخمسين ريالاً، إلا أن بعض تجاره -هداهم الله- «شقوا جيوبنا»، تشتريه غالياً وتضعه على الرأس يومين، والثالث انتهى موضوعه، علق بمسمار، أو اسودت أطرافه. الزي الوطني طاله الغلاء، وأصبح بعض الخياطين يتفنون ويضحكون على الناس، وصل سعر الثوب إلى المئات، بل الآلاف، بعد أن كان أغلى ثوب بثمانين ريالاً. كان في حينا خياط اسمه «بشير»، تعلم الخياطة في «الحارة»، خاط ثوبين لعبود وسامي، ووضع جيوبهما في الخلف، اعتذر لهما ولم ينجح في هذا المجال، انتقل للعمل في بقالة ولم يفلح أيضاً، اشتغل بعد ذلك في «نتافة» دجاج، وبعد صدور قرار إغلاق «النتافات» اختفى. بعد سنوات، لفت نظري، في شارع رئيس بالدمام، لافتة نيون (طولها ستة أمتار) لخياط (… «فرع الVIP»)، دخلت وضحكت، وقبل أن أسأله عن الأسعار، قال لي إن لديهم فرعاً آخر يمكنه الذهاب إليه، فهذا فرع «VIP» (يبدو أن ضحكتي أزعجته)، فقلت له رحم الله طبقة «VID»، فقال ما هي هذه الطبقة، قلت له إنها الطبقة المتواضعة أو «مثقوبو الجيوب»، وبعد الحديث معه، أوضح أن هذا الفرع مخصص ل«VIP» فقط، ولا يمكن غير ذلك إلا بموافقة المدير.. دخلت مكتب المدير وإذا «بشير» جالس على المكتب، يلبس شماغاً «أبو 500 ريال»، وثوب «أبو ألفي ريال» مطرز بألوان، بادرني بالقول: «أي خدمة تال عمرك أَمّي»!!