ما أن يعلن عن تعديل وزاري يتم على ضوئه تعيين وزير جديد للتربية والتعليم حتى تشرأب أعناق المعلمين والمعلمات باتجاه القادم، لعله يحمل معه التغيير المنشود. ومع تسنم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل حقيبة التعليم، ومع ما عرف عنه من مهارات إدارية وقيادية، فإن هناك جملة من الملفات الساخنة ستكون أمامه وتستدعي من وزارته المسارعة بمعالجتها وبمهنية عالية. ولعل أبرز هذه الملفات هي تلك المتعلقة بالمعلم والمعلمة. وهي في نظري ليست مطالب فئوية بقدر ما هي مطالب مشروعة يفرضها الواقع وتتطلبها المرحلة. ففي البدء هناك نصاب الحصص الدراسية التي تشكل هاجساً للمشتغلين في الحقل التعليمي. خاصة في ظل المشاريع التطويرية للمناهج التي تبنتها الوزارة مؤخراً، إذ إن أغلب هذه المناهج تحوي دروساً تحتاج لإعداد ذهني وقراءات ثانوية إلى جانب قراءة دليل المعلم المصاحب لها، وإذا ما أضفنا لذلك الأعمال الكتابية التي يؤديها المعلم بالإضافة لمتطلب التعامل مع قراءات وكتابات الطلاب وعند إضافة حصص الانتظار والإشراف اليومي والنشاطين المنهجي واللامنهجي لذلك فإن مجمل هذه الأمور تجعل نصاب ال24 حصة يشكِّل معوقا للأداء المثالي والمتوقع من المعلم والمعلمة إزاء هذه المناهج المطورة، بل نحن في هذه الحالة بحاجة لىشخصيات خارقة للقيام بهذه الممارسة التربوية. هناك أيضا ملف الحقوق المادية وخاصة للمعلمات اللواتي كن ضحايا البند 105 حيث قضين قرابة ثماني سنوات على هذا البند قبل أن يتم تثبيتهن وظيفيا، وعندما لجئن لمقاضاة الوزارة لتعويضهن مادياً أو على الأقل احتساب هذه السنوات المهدرة من أعمارهن، وظيفياً فإنهن لم يجدن إنصافاُ إلى حينه. وهناك أيضاً أمر آخر، فإن سلم رواتب أغلب موظفي الدولة قد أعيد النظر فيه وتحسينه وتعديله، فابتداء بالقضاء ومروراً بأساتذة الجامعات وانتهاء بموظفي الصحة، فإن هولاء جميعاً قد تم تحسين سلمهم الوظيفي، في حين أن مربي ومربيات الأجيال وممتهني هذه الرسالة السامية لم يزل سلمهم الوظيفي منذ قرابة الثلاثين عاما يراوح مكانه ولم يجر عليه أي تغيير نوعي يذكر. في الوقت الذي يتحمل هذا المعلم وهذه المعلمة أعباء مادية يتم دفعها من جيوبهم الخاصة سواء من خلال توفير المستلزمات الورقية أواللوحات الحائطية أوإعداد الوسائل التعليمية لكل درس على حدة وفي أحايين قد يعمد بعضهم لشراء جهاز عرض بياني حرصا منه على إفادة أبنائه الطلاب، الأمر الذي يضيف عليه أعباء إلى جانب أعبائه المادية الأخرى التي تقتطع جزءاً كبيراً من دخله، ومن هنا فإن لم نعمد لإعادة النظر في تحسين دخل هؤلاء العاملين بالحقل التعليمي فأعتقد جاداً بأننا لم نوفهم حقهم علينا من الوفاء والمحبة والتقدير. ويبقى ملف آخر وهو المتعلق بإتاحة الفرص لهؤلاء المعلمين والمعلمات للنمو الذاتي، إذا إن وزارة التربية والتعليم خلال السنوات الماضية قد عمدت لتقليص فرص المشتغلين بالتدريس في استكمال تعليمهم وحصولهم على مؤهلات عليا من خلال فرض شرط مجحف وهو أن يتم فقط السماح بالتفرغ لدرجتي الماجستير والدكتوراة للأفراد الذين لم يتجاوز سنهم الأربعين عاما. أي أن من يقضي جل عمره في تعليم أبنائنا وتربية الناشئة وبعد ذلك يرغب في تطوير مهاراته وصقل قدراته فإنه يفاجئ بأن وزارته المفترض عليها تشجيعه ودعمه هي أول من ينصب له العراقيل ويجابهه برفض تفريغه وكأن هذا المعلم أو هذه المعلمة بوصولهما عمر الأربعين – الذي يعد عمر التكليف بالرسالات السماوية – قد غدوا كخيل الحكومة لا نفع فيها والتخلص منها أولى. هذا فيض من غيض معاناة صفوة المجتمع الذين نعهد إليهم تعليم وتربية أبنائنا وبناتنا فيعدوهم قادة للغد وبناة للمستقبل في حين أنهم لا يجدون منا التعزيز الكافي، فكلي أمل أن يجد ما كتبته هنا تجاوباً من وزير التربية والتعليم الجديد لعل وعسى أن يجد هؤلاء المربون والمربيات بعضاً من الإنصاف.