يترسخ في أذهان من يسمع عن اليمن ولا يراها أنها باتت على جرف هارٍ، وأنها أصبحت حفرة من حفر النيران، فجل ما يسمعه المستمع عن قتال هناك واختلال في الأمن وانعدام البنية التحتية التي لم تكن موجودة من قبل؛ بفضل نظامها السياسي وبعض المسؤولين الذين اهتموا ببناء الفلل والقصور وشراء السيارات الفارهة، على حساب تجويع شعب أخلص لبلده طوال العقود والقرون الغابرة، ما يهمنا الآن في هذا الصدد أن ندرس اليمن بنظرة ثلاثية الأبعاد، الذي يشكله حزب المؤتمر الشعبي العام والمعارضة التي عجزت عن الوصول إلى سدة الحكم في السنوات الماضية، وأوصلتها ثورة الشباب في أقل من سنة، والشباب الذين يرون أن التخلص من فلول النظام السابق ومحاكمة الرئيس وأعوانه هو الطريق الأمثل، بل والأوحد لبناء يمن جديد، يأتي هذا بالمقابل أن اليمن يواجه محناً يقودها ثلاثة أقطاب، القطب الأول يتمثل في الحوثيين وفكرهم القادم من مدارس قم الإيرانية، وبوجود الدعم الخامنئي يرون أن ضالتهم قد وجدت بسبب الأحداث التي يعيشها اليمن حالياً، وقطب آخر هو قطب الحركة الجهادية التي فهمت أن الإسلام يرتكز أساساً على حروف ثلاثة؛ هي القاف والتاء واللام، وتلك ذروة سنام الإسلام، وقطب ثالث يتمثل في بقايا الحزب الاشتراكي التي خرجت من اليمن إبان حرب صيف 94م، والتي مازال حلمها الوحيد أن تعود إلى الوطن لتجلس على كرسي الحكم، ولا يعرفون أن الشعب قد لفظهم، وهمهم الوحيد هو كيف يحدث الانفصال؟ كل هذا وأكثر هو ما يحاك في اليمن.والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه اللحظة، ما هي الأسباب التي أدت إلى مثل هذا؟ وهل كان للسلطة السابقة والتي مازالت كالأخطبوط تضرب هنا وهناك دور فيما حدث ويحدث في هذه الأمور؟ والجواب تقريباً بالنسبة للسلطة فقد كان لها الدور الرئيسي في مثل هذا الأمر، حيث إن عملها اقتصر على ما يحقق رفاهية الطبقة الحاكمة والتي بجوارها وتركت الشعب يزحف على مناخيره، ويمشي مكباً على وجهه بل لم تدرك أن اليمن يستحق منها أكثر مما تأخذ منه، وأما على صعيد الأسباب، فالأسباب كثيرة جداً ولا حصر لها، فاليمن بلد ديمقراطي والشعب عفوي يتقبل أي فكرة، طالما أن من يتبنى هذه الفكرة هو زعيم ديني أو شيخ قبيلة، ولو كانت هي بعينها السم الزؤام فما بالكم إن تعلق الأمر بالاثنين معاً. ثم جاءت القاعدة لتنشئ موطناً لها في اليمن، فمن أين جاءت فكرة إنشاء قاعدة في اليمن؟ أليس اختلال الأمن وعدم ضبط الأمور والتعاون مع الأمريكان وإفساح المجال لهم لضرب أي مكان في اليمن هو من جعل الشعب يناصب العداء لأمريكا والنظام؛ الذي ساعدها على اختراق سيادته، خصوصاً أن اليمنيين هم من أكثر الناس تعاطفاً مع الشخص الذي يرونه مظلوماً، بغض النظر عن انتمائه السياسي أو الديني.وبين دور الحوثيين ودور القاعدة برزت على السطح مشكلة جديدة لا تقل خطورة عنهما، وهي ظهور ما يسمى بالحراك الجنوبي؛ الذي يحظى بدعم خارجي وداخلي من بعض أبناء اليمن في الجنوب، وهم لا يفكرون إلا في الكيفية والسبل التي تعيد تشطير الوطن، وكأن هذا الوطن في نظرهم لعبة يتقاسمونها كيفما أرادوا.في اليمن تختلط الأوراق، وترى غير ما تسمع ومن كذب جرب، وكنت يوماً ما أقول أنى لي الوصول إلى بيتي؟ والأمور كما أسمع وأرى في الشاشات، ولكن حينما ترى اليمن تدرك أن ما يقال شيء وما يجري على أرض الواقع شيء آخر.وصدق الله حينما قال (بلدة طيبة ورب غفور) والنبي الكريم حينما قال (الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان) ويوماً سيدرك الناس جميعاً حقيقة هذين القولين الكريمين.