أعادت الأمطار الغزيرة التي تشهدها المملكة في الوقت الراهن، طرح قضية السدود وأهميتها في توفير موارد متجددة للمياه في وقت يتزايد فيه الطلب محلياً على مياه الشرب، بدرجة فرضت تخفيضاً قسرياً على كميات المياه الموجهة للزراعة، بل وبلغ الأمر إلى حد وقف زراعة محاصيل معينة نظراً لاستهلاكها كميات كبيرة من المياه. وتأتي الأمطار هذا العام بغزارة ربما لم تشهدها المملكة منذ سنوات، صحيح أنها تهطل على فترات متباعدة، لكنها تأتي بكثافة يمكن لو أنها استغلت بشكل جيد، لوفرت للمملكة مورداً متجدداً للمياه يمكن أن يدفعها إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها الزراعية، واستئناف زراعة المحاصيل المهمة بخاصة القمح. فإلى أي مدى استفادت المملكة من هذا المورد المتجدد من المياه؟ وهل تمثل إدارة وزارة المياه والكهرباء لهذا المورد النموذج المثالي الذي يتطلبه؟ ينظر كثير من الناس للسيول نظرة سلبية، وربما معهم بعض الحق في ذلك، تبعاً لما تحدثه من أضرار مادية وبشرية (نسبياً). لكن المشهد العام لا يتوقف عند حد اجتياح السيول الطرق والأنفاق والمساكن أحياناً، أو جرف سيارات ومنازل وأشخاص ومواشي وما إلى ذلك، بل لذلك المشهد جوانب إيجابية عديدة، من أبرزها أنه يدفع الجهات المعنية بتوفير الخدمات إلى التفكير في إعادة تقييم خدماتها، ودراسة ما ينتابها من قصور يجعل أداءها مثار جدل، ويعود بسلبيات عديدة على الجمهور المستفيد منها. وهو اتجاه يتكرر في كل عام مع عودة موسم الأمطار وما يصاحبه من «انهيارات خدمية» تصيب كثيراً من الطرق والأنفاق والجسور بالشلل نتيجة سوء تنفيذها، وتسفر عن خسائر مادية بعضها يصل إلى حد الفجيعة بما ينطوي عليه من وفيات وإصابات وخسائر مادية (لا تغطيها وثائق التأمين!). وبينما تصنف المملكة عالمياً على أنها من الدول التي تتسم بشح في مصادر مياه الشرب، فإن الواقع يقول غير ذلك، على الأقل نسبة إلى وزارة المياه التي تشير تقاريرها إلى أن المملكة تستقبل سنوياً كمية من الأمطار تصل إلى 125 مليار متر مكعب وهو ما يقدر بأضعاف الكميات التي تهطل على مصر وتونس ولبنان مجتمعة، ويزيد في الوقت نفسه على سبعة أضعاف الاستخدامات السنوية للمياه في المملكة. وارتفعت مؤخراً حصة الفرد في المملكة من المياه إلى 265 لتراً بما يعادل ضعف استهلاك الفرد في الاتحاد الأوروبي، وليتجاوز الاستهلاك المحلي للمياه في المملكة مستوى ثمانية ملايين متر مكعب يومياً. وتراهن الوزارة على وعي المستهلك بأهمية الحفاظ على موارد المياه وعدم إهدارها، راسمة في تصوراتها إمكانية أن يسفر الترشيد عن خفض للاستهلام بنسبة 30%، لكنها في الوقت نفسه تترك مياه الأمطار تتسرب إلى باطن الأرض دون استفادة قصوى منها. وبينما تشكو المملكة ظاهرياً من نقص في مياه الشرب، وتعتمد على تحلية مياه البحر بنسبة 55%، لا تستفيد من هذا المصدر المتجدد الذي توفره مياه الأمطار سوى بنسبة 10% فقط أو أقل، على حد ما تشير إليه تقارير الوزارة. وهو ما لا يمكن تفسيره سوى بأنه هدر لمورد مياه شديد الأهمية، مازال التعامل معه يقتصر في جانبه الرئيس على أنه شر مستطير! ما لم تفسره الوزارة! ولم يعثر على تفسير من جانب الوزارة، من خلال ما تتيحه من تقاريرعن ضآلة الاستفادة من مياه الأمطار إلى هذا الحد، بحيث يهدر 90% منها دون استفادة. وربما أمكن تفسير ذلك، بخلل ما في ربط شبكات تصريف السيول ومياه الأمطار بالسدود، وهو تفسير يبقى اجتهادياً وقد لا يتلاقى مع واقع الأمر، لكنه يبدو منطقياً. فلا أحد يعلم إلى الآن أين تذهب مياه الأمطار والسيول التي يتم تصريفها في شبكات أنفق عليها المليارات إلى الآن. ولا أحد يعلم كيفية هدر هذا المورد المهم من المياه وأسباب عدم الاستفادة منه، في وقت يتحول فيه إلى مصدر للخسائر المادية والبشرية. وربما أمكن للوزارة تقديم تفسير لذلك يكون مقنعاً وشافياً للمواطن العادي الذي لا يفهم هذا الغموض. ويمكن من جانب آخر تفسير ذلك بوجود 21 محطة فقط لتنقية مياه السدود وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب وفقاً للمواصفات الصحية المعتمدة بطاقة تصميمية بلغت 624 ألف متر مكعب يومياً في مناطق مكةوعسير والباحة وجازان، ما يمثل 20% من السعة التخزينية لإجمالي أنواع السدود الأربعة، التي تمثل سدود التحكم أعلاها سعة تخزينية بواقع 46%، تليها سدود التعويض بسعة تخزينية 31% ثم سدود الشرب بسعة 20%، وأخيراً سدود الري بسعة 3%. وتستقي المملكة مواردها المائية من أربعة مصادر هي: المياه السطحية، والجوفية، والمحلاة، والمعالجة. وتمثل مياه الشرب الناتجة من الآبار والسدود ما نسبته 45% من إجمالي مياه الشرب في المملكة. وهي نسبة يمكن أن ترتفع إلى الضعف لو أن الوزارة أمّنت 25% فقط من مياه الأمطار ولم تدعها تفلت إلى باطن الأرض هباءً. وحتى نهاية عام 2012م، ارتفع عدد السدود المنفذة والجاري إلى 512 سداً، صعوداً من 394 سداً في عام 2011. ولم تتح الوزارة تحديثات لإحصائياتها عن السدود عبر موقعها، إذ إن آخرها يعود إلى العام 2011، لكن مصدراً في الوزارة كشف عن تلك المعلومة، مبيناً أن إجمالي الطاقة التخزينية لهذه السدود يقدر بنحو 2.5 مليار متر مكعب، موزعة على مناطق المملكة. ورغم ذلك، تبدو السعة التخزينية للسدود في المملكة في تصاعد مستمر، إذ بلغت في عام 2005م نحو 840 مليون متر مكعب، وارتفعت في عام 2011م إلى 1.9 مليار متر مكعب بزيادة ثلاثة أضعاف. ووفقاً للمصدر، فإن منطقة عسير تستأثر بالنسبة الأعلى من هذه السدود، بواقع 109 سدود، تليها الرياض ب 90 سداً، ثم منطقة مكةالمكرمة ب 44 سداً، فالباحة ب 540 سداً، ثم المدينة ب 31 سداً. أما عدد السدود الكبرى بينها فتقدر وفق إحصائيات الوزارة بنحو 51 سداً، أهمها سد الملك فهد (وادي بيشة) الذي يبلغ ارتفاعه 103 أمتار، وتصل سعته إلى 325 مليون متر مكعب، ثم سد وادي حلي (مكةالمكرمة) بارتفاع 95 متراً وسعة 250 مليون متر مكعب، ثم سد وادي رابغ (مكةالمكرمة) بارتفاع 80.5 متر وسعة 220 مليون متر مكعب، فسد وادي بيش (جازان) بارتفاع 106 أمتار وسعة 194 مليون متر مكعب، ثم سد الليث (مكةالمكرمة) بارتفاع 79.5 متر وسعة 89 مليون متر مكعب، وأخيراً سد المضيق (نجران) بارتفاع 73 متراً وسعة 86 مليون متر مكعب. ويقدر متوسط النمو السنوي في إجمالي السعة التخزينية للسدود بنحو 17.7%. وامتداداً لما شهدته منطقة الرياض من سيول على مدى الأيام القليلة الماضية، تجدر الإشارة إلى أنه يوجد في منطقة الرياض أربعة سدود كبيرة بين سدودها التسعين، هي: سدود العلب والمنحنى وثادق وحنيفة. وتبلغ الطاقة الإجمالية للمياه المخزنة فعلياً وفقاً لآخر بيانات الوزارة (15 محرم الحالي) نحو عشرة ملايين و284 ألفاً و772 متراً مكعباً في حين تبلغ سعتها الإجمالية 96 مليون متر مكعب. وهو ما يدعو إلى التساؤل حول الأسباب التي تحول دون توجيه الأمطار الغزيرة التي هطلت على الرياض باتجاه تلك السدود. لكن يبقى السؤال الأهم وهو لماذا لم تنشئ الوزارة سدوداً لمياه الشرب إلا في أربع مناطق فقط ليست من بينها الرياض؟