اذا سنحت لك فرصة لالقاء نظرة من الفضاء على ارضنا في اي وقت من العام فسوف ترى ذات المشهد, كرة تسبح في الفضاء, زرقاء في معظمها بلون المحيطات موشحة باحزمة السحب البيضاء في كثير من انحائها مع مساحات خضراء لليابسة واخرى صفراء بلون الصحاري مع ميل للون البني الفاتح , نصفها مضيء ونصفها الاخر مظلم يفصل بينهما خط يلف محيطها حول الاقطاب. يتحرك هذا الخط الفاصل بين النور والعتمه بسرعة دوران الارض حول نفسها ولكن باتجاه معاكس جالبا معه ضوء النهار على امتداد نصف طوله البالغ نصف المحيط القطبي للارض تقريبا في احدى جهات الارض وناشرا الظلام في النصف المقابل منها, ويعني هذا ان هناك في كل لحظة من اليوم مشارق للشمس في مواقع على طول هذا الخط المتحرك ومغارب مماثلة لها على الجانب الاخر, ويعني ايضا ان النهار يلاحق الليل في جهة من الارض ليحل مكانه وان العكس من ذلك يحدث في الجهة الاخرى المقابلة لها في مشهد متكرر لا يسبق احدهما فيه الاخراو يطغى عليه. اذا وبهذه الصورة التي باتت معروفة ويمكن لرائد الفضاء مشاهدتها بام العين لكوكبنا الكروي من تعاقب لليل والنهار على اجزاءه بفضل هذه الوسائل العلمية المتطورة من مركبات واقمار صناعية ,افلا نجد في الاية القرانية خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار( دليلا على كروية الارض ,ووصفا لظاهرة فلكية تتكرر كل يوم على سطحها من تعاقب لليل والنهار ؟ والا فكيف يكون التكوير لهما على سطح منبسط؟ او ليس في هذا التوصيف لتعاقبهما اشارة لا تخفى على دوران الارض حول نفسها؟ وكيف تنشا المشارق والمغارب ان لم يكن هناك دوران؟ كما ورد ذكر ذلك في ايات اخرى من كتاب الله. يتجاهل بعض اعداء هذا الدين من اصحاب معتقدات اخرى وملاحدة اشارات واضحة كهذه في الاية الكريمة لا تخفي على ذي بصيرة ولو كان صاحب علم قليل ولكنه ليس صاحب هوى , بل ان غيظهم من هذا الاعجاز العلمي المبهر للقران في كل حقول العلم الحديثة وخصوصا مجال الفلك, ارغمهم على البحث عن كل وسيلة ممكنة مهما كانت الحجة فيها واهية لاثبات ان ايات القران الكريم لا تنطوي على اي اعجاز وانما هي تاويلات علماء المسلمين التي تجعل منه كذلك, وفي هذا الموضوع بالذات تهيأ لهم انهم وجدوا دليلا دامغا يثبتون من خلاله ان القران الكريم انما هو كلام من تاليف البشر بادعائهم ان اكثر الايات الواردة في وصف الارض في كتاب الله تؤكد بشكل قاطع على مد الارض وبسطها وليست هناك اية واحدة تشير الى كرويتها بما فيها الاية السابقة . يتناسى هؤلاء حقيقة ان الارض شبه كرة يزيد متوسط قطرها عن 12700 كيلومتر, وتتجاوز مساحة سطحها 510 مليون كيلومتر مربع, فكم سيرى منها الناظر لها من اي مكان عليها؟ ولتوضيح الفكرة اكثر, فان رجلا متوسط طول القامة يقف على شاطي بحر هاديء الموج في يوم صاف لا يرى على الارض او سطح الماء الا لمسافة لا تزيد عن 5 كيلومترات من مكان وقوفه حتى خط الافق حيث تلتقي السماء بالماء كما يبدوا للناظر , ويعني هذا ان ما يشاهده من مساحة ضمن دائرة تحيط به هو حوالي 80 كيلومتر مربع, فان قسّم هذا الرقم على مساحة الارض او حتى نصفها وهو اقصى ما يمكن رؤيته من الكرة فسوف تكون النتيجة رقم قريب من الصفر, اي ان ما يقع عليه البصر من مساحة هو جزء صغير جدا لا يذكر مقارنة بمساحة الارض فكيف سيرى الناظر مثل هذه المساحة الضئيلة من سطح كروي عملاق؟ سوف تظهر له طبعا قطعة منبسطة في كل اتجاه ولن يلحظ فيها اي تقوس او انحناء. يتسع مدى الرؤية بطبيعة الحال كلما ارتفع مكان المشاهدة فاذا وقفنا على قمة اعلى جبل في العالم او حلقنا بطائرة على ارتفاع اكبر من ذلك فسوف نرى الافق على مسافة ابعد بكثير مقارنة بشخص يقف علىى سطح الارض وحتى من ارتفاع شديد كهذا فان العين تلحظ بالكاد انحناء بسيطا لسطح الارض على مد البصر في جو شديد الصفاء. في الواقع فانه لا يمكن مشاهدة استدارة واضحة لسطح الارض الا اذا ابتعدنا عنها مسافة كافية تسمح لنا برؤية طولا شاسعا من محيطها لان الاجسام تبدوا اصغر من حجمها عند النظر اليها من مسافات بعيدة وهذا ممكن بالنسبة للارض عندما نكون في الفضاء على ارتفاع شاهق كما هو الحال في الاقمار الصناعية. اذا فما ورد في ايات من كتاب الله عن مد او بسط او تسطيح للارض كما تراه العين هو توصيف لواقع مشاهد وهو وصف لحال الجزء ضمن الكل وانه لمن دلائل قدرة الله الذي جعل هذا البسط متماثلا في كل بقعة على سطح الارض, فالسطح الكروي تام التماثل في كل مكان وكل اتجاه فلو انتزعنا قطعة من هذا السطح فسنجدها مطابقة لاي قطعة اخرى بنفس الشكل والمساحة تنتزع من اي مكان عليه, فالوصف بهذا المعنى ليس به تعارض مطلقا مع كون الارض ككل كرة هائلة لا ترى على هذه الهيئة من عيون مجردة لبشر يحيون على سطحها. عاهد علي الخطيب جامعة الملك سعود – الرياض