يلعب النظام السياسي دورا أساسياً في تشكيل أصول التربية وذلك بما يحتويه من قيم و اتجاهات وما يتبناه من أهداف يرى أن سبيلها إلى التجسيد في الواقع الاجتماعي يتحقق عن طريق تربية الأجيال المتعاقبة من أبناء المجتمع . ففي حقبة استعمار الوطن العربي ، تنبه المستعمر إلى قطاع التربية و التعليم الحيوي في تطور التكوينات الاجتماعية عبر العصور ، و سعى بكل ما يملك من ترسانة أيديولوجية و عسكرية وكوادر بشرية إلى تبني سياسة تعليمية تهدف إلى إعادة هيكلة التعليم خدمة لاستراتيجيه التي تستهدف إخضاع الشعب المستعمر ، و نشر ثقافته خدمة لمشروعه الاستعماري الذي يسعى إلى السيطرة على الثروات الطبيعية و إخضاع القوى البشرية ، و خير مثال على ذلك ما حدث في تونس و الجزائر و المغرب ، ففي هذه الدول عملت الإدارة الاستعمارية على إدماجها ، و محاربة الثقافة العربية، كما أشاعت في الأوساط العلمية والأدبية، اضطرابا شديدا فهجر معظم الأساتذة الأفذاذ مراكزهم . وقد ادعت هذه الدول إنّ اللّغة العربية قد ماتت منذ زمن بعيد ودفنت مع اللّغات الميتة الأخرى، وهذا من أجل تبر ير سياستها التعليمية ودعم مطامعها الاستبدادية، موهمة الرأي العام أن من واجب الأمم الراقية أن تنقذ سكان هذه الدول من آفة جهل شامل، وتأخر فاحش عن ركب الأمم المتمدنة، وذلك باسم الحق والإنسانية. يتأثر التعليم باستمرار بنظام الحكم في المجتمع وبتوجيه الدولة له فيكون أرستقراطيا عندما تتسيد الطبقة الأرستقراطية على المجتمع ، و يكون ديمقراطيا في دولة تدين بالديمقراطية ، ويكون اشتراكياً في دولة تدين بالاشتراكية وبالعدالة الاجتماعية وهو في عصرنا الحاضر يتأثر في بعض المجتمعات بالتوجيه العلمي للدولة والمجتمع وللنظم الاجتماعية فيه. لقد وجد الفلاسفة والمفكرون السياسيون أنفسهم وهم يضعون نظاماً لدولة مثالية وجها لوجه أمام التربية كأداة لبنائها وبناء مواطنيها على المبادئ والقيم والتصورات التي تم رسمها لهم ، ولقد كان لهذا التأثير السياسي في التعليم أثره في اختلاف مفاهيم التربية وأهدافها وذلك لاختلاف المفاهيم السياسية من وقت لأخر ومن مجتمع لآخر، كما كان له أثره في اختلاف كثير من المفاهيم الاجتماعية المرتبطة بالتربية كمبادئ الإدارة وأسسها وأساليبها ومبدأ الفرص التعليمية وما إلى ذلك ، لهذه الأسباب مجتمعة كان على التربية أن تتخذ لنفسها من السياسة أساسا تستند إليه فتتعرف على مفاهيمها وأسسها وأهدافها وإدارتها وطرقها ووسائلها ومناهجها وأنشطتها وأبنيتها ومواقعها داخل المدرسة وخارجها كما تضئ لهم معاني كثيرة من محتوى الحقوق والواجبات التي تنشئ الأجيال عليها . الأسس السياسية للتربية هي نتاج التفاعل بين التربية والسياسة ، حيث تعمل التربية وفقا لهذا الأصول في إطار سياسي تخدم في مجتمع معين له أهداف معينة وتشكيلات سياسية معينة ، فالتربية وهي تضع أهدافها وتحدد وسائلها وإجراءاتها وتصمم وتنفذ برامجها تتأثر بالنظام السياسي للمجتمع ، فإعداد الفرد للعيش في نظام دكتاتوري يختلف عنه للعيش في نظام ديمقراطي ، يختلف عنه للحياة في مجتمع اشتراكي ، يختلف عنه للحياة في مجتمع رأسمالي ، فلابد وأن تستمد التربية أسسها من النظام السياسي السائد في مجتمعها حتى يمكنها تربية أفراد المجتمع تربية سياسية تتواءم وتتوافق مع خصائص المواطنة المفروضة ، وفي ضوء ذلك تتحدد مواقف وعمليات وإجراءات التعليم مثل نوع الإدارة التعليمية ونوع المسؤوليات والحقوق في كل موقع مثل موقف المعلمين والطلاب من القضايا الجارية والجدلية ومثل موقف المدرسة والمؤسسات والهيئات التعليمية من الرأي العام ومن التغير الاجتماعي، فالتربية شأنها في ذلك شأن أي ميدان في المجتمع تحكمه قوانين ولوائح وتنظيمات وهذه كلها تعبر عن السلطة السياسية في المجتمع وهذا هو قوام الأصول السياسية للتربية. التعليم هو أداة تكوين المواطن سياسياً و اجتماعياً و اقتصادياً ، ففي المدرسة تزرع لدى الناشئة أن النظام ضروري للمدرسة ، ومن ثم الدستور والقوانين ضرورية للمجتمع ، وكما أنه يجب على التلاميذ احترام الأنظمة في المدرسة من نظام المدرسة مثل التوقيت اليومي للحصص ، وزمن الفسحة ،وبداية طابور الصباح ، وزمن الانصراف ، وتوزيع التلاميذ على الصفوف ، ثم توزيع التلاميذ داخل الصف الواحد حسب أطوالهم ، وحسب حالاتهم الخاصة ، فإنه يجب على المواطنين احترام الدستور والقوانين في المجتمع ، والمجتمع الفاضل هو المجتمع الذي تحترم فيه القوانين والدستور . كما يدرب التلاميذ على الممارسة الديمقراطية، من خلال انتخاب البرلمان المدرسي، وفي هذا الانتخاب يم تدريب عملي على الانتخاب الذي سيمارسونه في المجتمع في انتخابات مجلس النواب و المجالس البلدية و مجالس النقابات . كذلك تعمل المدرسة على تنمية قيم العدالة الاجتماعية و السياسية عند التلاميذ من خلال التقويم و التقييم ، ومنح العلامات للتلاميذ ، عندما يعطي المعلمون كل تلميذ العلامة التي يستحقها ، فتكون العلامات عندئذ معبرة عن جهد التلاميذ ، وعندما يحصل التلميذ الذكي والمتفوق والمجد الذي بذل جهداً كبيراً في المذاكرة ؛ يحصل على الدرجة التامة يشعر هو وزملاؤه أن الجد والاجتهاد أوصله إلى هذه الدرجة ، وسيكون ذلك دافعاً له ليستمر في جده واجتهاده ، وحافزاً لزملائه كي يقلدوه في الجد والاجتهاد . و تلعب المدرسة دوراً ريادياً في غرس قيمة الحوار وقبول الرأي الآخر من خلال تدرب التلاميذ على الحوار الموضوعي ، وقبول الرأي الآخر ، وإكسابهم قيمة الاستماع الفعال واحترام الرأي الآخر الدكتور عويد عوض الصقور - كاتب و تربوي أردني [email protected]