يشتكي الكثير من تفشي التقاعس والانحدار في الأداء, وكأنما انعدمت الحلول وسبل الانفراج. ويشتكي الغالب من قلة في المادة المقدمة, أو تحريك للعقول لتطوير الفكرة, وتجميل النظرة, وتقديم الفقرة. فبكل يسر وسهوله قد نجد الداء أمامنا, ولكن الغريب أننا لم نلتفت إليه لنقضي عليه بالدواء المتوفر. فماذا ننتظر عندما نُحَوِلٌ الهواية إلى وظيفة, وتتبدل بعدها الاهتمامات, حينما أرى أن هوايتي تدر على جيبي رزقاً دونما جهد وتطوير. فلن أناقض قولي حينما أقول لكل مجتهد نصيب, ولكن اجتهد لتبقى في صفوف المبدعين قبل أن تُسَرَح. أستطيع أن أقول \"تناهيد مراسل\", فَلَسْتُ بالمخضرم ولا بالكفاءة العريقة, ولكن آمالٌ لأستفيد مما اكتب . إذا أردنا أن نرفع من قيَم المادة الإعلامية التي نضعها على طبق الشاشة الفضية, فلابد أن نصنع مائدة شهيه تستحق العرض بعد الجهد والتعب. فلا يكتفي المراسل بأن يوجهه غيره لتغطية حدث أو مناسبة, بل أن يصنع الشيء من لاشي, أو أن يبحث عنه, وان تم تكليفه على تقديم ما طلب منه فَلِمَ لا يضع اللمسات الفنية والقدرات الحسية لكي يشعر بطعم الانجاز. فليس المراسل من يؤدي مهامه بثقاله وعدم اكتراث, أو حينما يُقَدِمُ مادته وكأنما هو طالب يعمل على واجبه اليومي ليسلمه إلى استاذه دونما اهتمام من الدرجة المعطاة. ولكن حينما يزرع مادة إعلامية جيدة ومثيرة, ويستقطب مشاهدين ونقاد ومؤيدين, فهو يقطف النجاح, فليس نجاح القناة فحسب, بل نجاحه أيضا بالدرجة الأولى. فقد تملل المشاهد من نمط سلكه الجميع حول عرض المادة المسجلة لنشرة للأخبار أو لبرنامج يحكي قضية, ولكن التكرار في حذو الطريقة جعلها مسلكا ومخرجا استحال تركة, وقد فذ القليل ممن خرجوا عنه وتميزوا. فالمراسل ليس أداة تُحَرَك فحسب بل عدة مهام أساسية \"1x5\", وهو العمود الرئيس بعد المصور المتألق, فلن يحرم نفسه ومشاهديه من فرحة الجديد والاختيار السديد, وتكرار التجديد. فكما قيل \"كل مراسل مذيع وليس كل مذيع مراسل\". إن المراسل كلاعب الكرة, يجري خلف اهتمامه ليصوب نحو نجاحه هدفاً, ويجمع في سجله تصويبات سديدة نحو المرمى , كما انه يلفت انتباه الأندية الأخرى لتستقطبه حتى لو ساوم على نفسه. ورغم ذلك الألم والأمل, إلا أن المراسل هو الجندي المجهول بلا سلاح ولا مدرعة, تجده في أصعب المواقف وأخطرها, يجابه من اجل مهنته ومن اجل الإنسانية, يبحث عن مَوَاطِن الضعف لدى الناس ليقويها بعزيمة التغطية, ونشر القضية. فهو صاحب العقل الشديد والقلب الرقيق والقول السديد في الأغلب, يقف خلفه من لا صوت ولا منبر له, ليحكي واقعهم, وينشر ألمهم. فلا قصص تحكى, ولا صور تتكلم بلا مراسل مناضل, ولا حقيقة تختفي ومن وراءها مراسل مرابط. محمد العمر [email protected]