الأمن في مفهومه العام هو الوصول إلى أعلى درجات الاطمئنان والشعور بالسلام واختفاء مشاعر الخوف لدى أفراد المجتمع مما يحفزهم على العمل ويوفر لهم مناخ الاستقرار اللازم لاستمرار التنمية والإنتاج والتقدم.. وله أنواع منها: الأمن النفسي والثقافي والفكري والاقتصادي والمائي والوطني والوقائي والغذائي وغيرها.. فالأمن مطلب حيوي لا يستغني عنه أحد، بل هو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ولأهميته دعا به إبراهيم عليه السلام، قال تعالى: "وإذ قال إبراهيم ربّ اجعلْ هذا البلد آمناً"، وقال تعالى: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".. وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأمن أعظم مطلب للمسلم في هذه الحياة، وأنه بحصوله كأن المسلم ظفر بما في الدنيا؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا".. هذا الأمن بمفهومه الشامل، أما الأمن الفكري فهو يعني حماية وصيانة الهوية الثقافية من الاختراق أو الاحتواء من الخارج، والحفاظ على العقل وصيانة المؤسسات الثقافية في الداخل من الانحراف.. ويعني كذلك صيانة عقول أفراد المجتمع ضد أي انحرافات فكرية أو عقائدية مخالفة.. ويعني أيضاً الحفاظ على مكونات المجتمع الثقافية الأصيلة في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة أو الأجنبية المشبوهة، والدعوة إلى سلامة الفكر من الانحراف الذي يشكل تهديداً للأمن الوطني أو أحد مقوماته الفكرية، والعقائدية، والثقافية، والأخلاقية، والأمنية.. فتصرفات الناس تنطلق من قناعاتهم التي تستند إلى أرصدتهم الفكرية والاعتقادية، وبهذا يكون كل عمل يمارسه الإنسان ويظهر في سلوكه منطلقاً من كيانه الفكري والاعتقادي.. إن الكم الهائل من وسائل الغزو الفكري والثقافي والبث الفضائي المرئي والمسموع والمقروء وظهور شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي العديدة أوجدت أرضاً خصبة لبث السموم القاتلة في عقول الناشئة.. ولذلك تعدّدت المطالب والدعوات بتعزيز جانب الأمن الفكري لدى الناس من خلال إظهار وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه، وترسيخ الانتماء لدى الشباب وتحصينهم ضد الأفكار المنحرفة، إلى جانب الاهتمام بالتربية في المدارس والمساجد والبيوت وغيرها من مؤسسات المجتمع مع إتاحة الفرصة للحوار الهادف وتبادل الرأي، والبعد عن مجالسة أهل الانحراف الفكري الذين يريدون خرق سفينة المجتمع وإغراق أهلها، مع الكشف عن المظاهر ذات المؤشر الانحرافي الفكري أو الأخلاقي منذ بدايتها والسعي لعلاجها بالطرق السليمة والمجدية والبعد عن التهديد الذي لا يؤدي إلى نتيجة فعالة.. وتقع على المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية مسؤولية عظمى في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المجتمع، واستثمار عقول الشباب فيما يجدي، ويجب أن تبدأ معالجة الانحرافات الفكرية بمعالجة الأسباب والعوامل المؤدية لها والوقاية منها.. وعلى الدولة بجميع أجهزتها أن تسعى جادة لاستئصال هذا المرض الفكري الخطير والجديد على المجتمع.. فالكل تقع على عاتقه مسؤولية حماية المجتمع من أي فكر ضال أو دخيل.. حمى الله بلادنا من كل شر ومن كل صاحب فكر هدام يريد العبث بعقول شبابنا ومكتسباتنا..