لقد أنعم الله تعالى على حكومة وأهل هذه البلاد بأن شرفهم بخدمة الحرمين الشريفين المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وكذلك خدمة ضيوف الرحمن ووفد الله وحجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن هذا لشرفٌ عظيم يفاخر به قيادة وأهل هذه البلاد المباركة ويتشرفون به ويبذلون الجهود الجبارة والمشاريع العملاقة في خدمة الحرمين الشريفين والحجاج والزوّار والمعتمرين. ويكفي من ذلك شرفاً أن ولي أمر المسلمين في هذه البلاد يشرف بأن ينادى ب: خادم الحرمين الشريفين، وأي شرف يوازي هذا الشرف وتكريم يوازي هذا التكريم. وإن هذه الدولة المباركة منذ تأسيسها وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله- تستنفر جميع أجهزتها في أيام الحج خدمة للحرمين والحجاج والزوار. ويؤكد قادة هذه الدولة المباركة على المؤسسات الحكومية والأهلية بأهمية بذل جميع الجهود في تذليل وتيسير الحج لحجاج بيت الله الحرام. ويظهر أثر هذا التأكيد جلياً في نجاح مواسم الحج الماضية بسبب البذل السخي من الدولة على المشاريع الجبارة الضخمة العملاقة على الحرمين الشريفين، وعلى أجهزة الدولة المشاركة في خدمة الحجاج والمعتمرين والزوار. ويأتي في طليعة أجهزة الدولة المباركة المشاركة في خدمة حجاج بيت الله الحرام والتي تلقى الدعم اللا محدود من القيادة الحكيمة: الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تستنفر جميع أجهزتها في موسم الحج خدمة لحجاج بيت الله الحرام بتوجيه وإشراف مباشر من معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ. فالرئاسة تقوم بدور فعال في التوعية والتوجيه والإرشاد والنصح لحجاج بيت الله الحرام من خلال المناشط المتعددة التي تقام من أجهزة الرئاسة خلال موسم الحج. فالمراكز المتعددة للرئاسة في مكة والمشاعر في منى وعرفات ومزدلفة، وكذلك في المدينة النبوية والمواقع التي يقصدها الزوار للزيارة يقوم أعضاء الهيئة فيها بجهود جبارة في توعية الحجاج والزوار وتقديم النصح والتوجيه والإرشاد لهم بكل رفق ولين ومحبة ورحمة، مع تقديم المطبوعات الإرشادية المتعددة باللغات المختلفة. فالرئاسة تقدم التوعية والوقاية لحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين والزوار. التوعية بالمسائل الشرعية التي يجهلها الحجاج والزوار في نسكهم ودينهم، والوقاية من الوقوع في المخالفات الشرعية التي تؤثر في قبول النسك والعبادة، حتى تكون عبادة الحجاج خالصة لله وحده لا شريك له متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم. كل ذلك برفق ولين، مع بشاشة الوجه ولين الخطاب. وتوثيق ذلك بتوزيع المطبوعات المتعددة في المسائل الشرعية المتعلقة بالتوحيد وأنواع العبادة ومسائل الحج والعمرة والزيارة، والمخالفات الشرعية التي يقع فيها بعض الحجاج والمعتمرين والزوار. والرئاسة لم تغفل غير المتحدثين باللغة العربية من الحجاج حقهم في التوجيه والتوعية والإرشاد. فاستعانت الرئاسة بطلاب المنح من الدول الإسلامية والذين يدرسون في الجامعات السعودية في الكليات الشريعة في نقل الترجمة للحجاج وإيصال الخطاب لهم بكل وضوح وشفافية ورفق ولين، مع توزيع المطبوعات المتعددة بلغات مختلفة والتي تجاوز عدد المطبوعات فيها ملايين الرسائل والكتب والمطويات. وأما ما يقع من الحجاج والزوار والمعتمرين من الأخطاء والمخالفات الشرعية خصوصاً العقدية منها عند أماكن الزيارة وقبور الصحابة، فإن منسوبي الرئاسة يتعاملون مع هذه الأخطاء والحجاج بكل رفق ولين، ويأخذون بيد الحاج والمعتمر إلى الحق بنصح ولطف وإرشاد وشفقة ورحمة مع تحمل وصبر على تجاوزات البعض. لأن المراد إيصال الحق للخلق رحمة بالخلق، لا تنفير الخلق من الحق، استجابة لأمر الله تعالى بقوله (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). ومنسوبو الرئاسة يعملون بالرفق واللين مع الصبر عند أداء عملهم امتثالاً لأمر الله تعلى بقوله (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور). قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى -: من آداب المحتسب: الصبر على أذى الخلق عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن لم يستعمل لزم أحد أمرين: إما تعطيل الأمر والنهي، وإما حصول فتنة ومفسدة أعظم من مفسدة ترك الأمر والنهي أو مثلها أو قريب منها، وكلاهما معصية وفساد قال تعالى: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، فمن أمر ولم يصبر، أو صبر ولم يأمر، أو لم يأمر ولم يصبر حصل من هذه الأقسام الثلاثة مفسدة وإنما الصلاح في أن يأمر ويصبر. وجاء في الأثر: يَنْبَغِي لِمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ فَقِيهًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ رَفِيقًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ رَفِيقًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ حَلِيمًا فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ حَلِيمًا فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ ". قال ابن تيمية : فَالْفِقْهُ قَبْلَ الْأَمْرِ لِيُعَرِّفَ الْمَعْرُوفَ وَيُنْكِرَ الْمُنْكَرَ وَالرِّفْقُ عِنْدَ الْأَمْرِ لِيَسْلُكَ أَقْرَبَ الطُّرُقِ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَالْحِلْمُ بَعْدَ الْأَمْرِ لِيَصْبِرَ عَلَى أَذَى الْمَأْمُورِ الْمَنْهِيِّ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَحْصُلُ لَهُ الْأَذَى بِذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ). سدد الله الخطى وبارك في الجهود وتقبل من الجميع حجهم ونسكهم، وأعادهم إلى بلادهم سالمين غانمين بحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور وعمل صالح متقبل مبرور. وجزى الله القائمين على جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير الجزاء وأوفاه كفاء ما قدموا ويقدمون للإسلام والمسلمين في هذه البلاد المباركة من النصح والتوجيه والإرشاد والتوعية. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. *عميد كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية