المؤسسات الاعلامية والثقافية الوطنية بحكم دورها في المجتمعات الانسانية الحديثة يجب أن يكون حراكها سريعاً وفاعلاً ومتجرداً من الآراء الشخصية أو القناعات الفكرية والسياسية، يجب أن تتحرك فقط من المحددات الوطنية التي صاغها النظام الاساسي للحكم، وبالتزام لا نقاش فيه لتكون رأس الحربة الفعالة الضرورية في حربنا لاجتثاث الارهاب من جذوره الأمم الناهضة والحية والقوية تحول مصائبها إلى نقطة انطلاق جديدة تعزز قوتها وتزيد من لحمتها الوطنية، من خلال التعامل الحاسم السريع لمؤسساتها ونخبها لمواجهة الازمة، والامة السعودية من أهم الأمم الناهضة التي دائماً ما تنجح بفضل الله في الخروج من التحديات والازمات التي تواجهها وهي أقوى مما كانت، لهذا فمصاب أهلنا في الدالوة في منطقة الاحساء، ينبغي أن يتحول الى مصاب كل الوطن بكل افراده وأطيافه ومكوناته ومؤسساته الأمنية والدينية والثقافية والاجتماعية والتربوية، السعوديون جميعهم يستحقون، بل يجب أن يعزو في هذا المصاب الجلل، مصابنا ليس فيمن فقدهم الوطن والأهل غدراً وغيلة ولا فيمن بذلوا أرواحهم حماية للوطن، بالرغم من فداحة الخسارة مصيبتنا الحقيقية ستكون عندما نضيع الفعالية الأمنية والدينية التي طوقت بحمد الله الجريمة وأبطلت مفعول هدفها الكارثي (الاقتتال الطائفي الداخلي) خسارتنا ستكون مضاعفة عندما نفشل في تحويل دماء ابنائنا من أهل الدالوة ورجال الأمن التي اريقت ظلماً وعدواناً لتكون بلسماً طاهراً مطهراً يمهد الأرضية اللازمة لاجتثاث الفكر الارهابي العفن واقتلاع جذوره من حواضنه، سواء تلك التي فوق سطح الأرض أو تلك المستترة والمتلونة والمتقلبة والمتحولة من الحزبيين والطائفيين والملاحدة المرتهنين لجماعة أو نظام أو فكر لا يريد بنا خيراً ولا يؤمن بما ارتضته الأمة السعودية في نظامها الأساسي للحكم ولا يرى في وحدتنا وألفتنا وجماعتنا إلاّ ما يهدد طموحاته السياسية والفكرية.. يجب أن نأخذ خطوة أخرى حازمة من أجل تصفية وتنقية ما علق بعقائدنا من إضافات خوارج العصر والجماعة الأم الحاضنة الحديثة للفكر الارهابي المعاصر الاخوان المسلمون، وكل الجماعات الطائفية والتجمعات الفكرية والثقافية التي تقدم الطروحات التي تهدد ثوابتنا الوطنية التي أجمع عليها السعوديون، وصيغت في عقد النظام الأساسي للحكم دون مجاملة أو تراخ. إن جريمة دالوة الأحساء تمثّل نقلة نوعية خطيرة لقوى الارهاب ما يتطلب خطوات نوعية، بحيث تكون لنا منظومة وطنية ترصد كل ما يهدد العقد الاجتماعي السعودي مما انتج ولا يزال ينتج في مختلف الاوعية الثقافية والوسائل الاعلامية التقليدية والحديثة السعودية، أو تلك التي تنسب للسعودية والنخب السعودية أو غير السعودية، منظومة لا تقف عند نوع أو شكل ثقافي واحد مهما كان مصدره ومصدره، لا بد من مرصد وطني يقوم على اسس ومنهجية علمية وطنية يرصد كل ما قد يهدد وحدتنا ويتجاوز ثوابتنا العامة اينما كان مصدرها أو قائلها، مرصد قادر على أن يقدم لنا التحذير المبكر مما قد نتعرض له من هزات وزلازل فكرية وثقافية في الوقت المناسب، مرصد قادر على العمل بموضوعية وطنية وبحيوية شاملة وطننا الكبير بجغرافيته ومناطقه وقبائله وحواضره برجاله ونسائه بصغاره وكباره، هذا المرصد ضرورة للوطن ومن أولويات البنية التحتية اللازمة لاجتثاث الارهاب التي يجب أن نعمل على اكتمالها حتى نزيد فرص نجاحنا في تحقيق هدفنا، هذا النوع من المنظومات مجربة ولها نتائج باهرة إذا ما قامت على أسس علمية وتنظيمية واضحة، ولا يعني هذا أن نتوقف عن العمل الجاد والمستمر لجميع افراد ومؤسسات الوطن الخاصة والعامة وفق بوصلة الوطن التي التف عليها السعوديون منذ أن رفع الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -غفر الله له- راية التوحيد الحقيقية التي جمعت قلوب السعوديين وعقولهم على هدي السلف الصالح رغم اختلاف مذاهبهم ومناطقهم وقبائلهم، والتي تمثّل راية الاسلام الحقيقية التي جاء بها نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم رحمة للعالمين، راية تجمع القلوب قبل العقول بسماحتها ورحمتها وحرصها الشديد على صيانة الروح والكرامة، راية تقوم على حماية النفس والمال والعرض والعقل، راية لا اكراه فيها ولا تجاوز، راية أساس الحركة فيها عمارة الارض وهو هدف انساني حضاري يقوم على النظام والالتزام والانضباط مرتكزه ابتداء وانتهاء بولي الامر. المؤسسات الاعلامية والثقافية الوطنية بحكم دورها في المجتمعات الانسانية الحديثة يجب أن يكون حراكها سريعاً وفاعلاً ومتجرداً من الآراء الشخصية أو القناعات الفكرية والسياسية، يجب أن تتحرك فقط من المحددات الوطنية التي صاغها النظام الاساسي للحكم، وبالتزام لا نقاش فيه لتكون رأس الحربة الفعالة الضرورية في حربنا لاجتثاث الارهاب من جذوره، في هذه المرحلة يجب تجاوز الرؤى الشخصية المثيرة للتطرف التي تشكل مستنداً تقف عليه أقدام بعض قوى الارهاب الظاهرة والمستترة التي تشكّل أهم منزلق يسقط من خلاله حسنو النية من الوطنيين في أيدي الجماعات المعادية لعقدنا الاجتماعي ولمشروعنا السياسي، فمسؤولية الإعلامي السعودي والمؤسسة الاعلامية السعودية جد خطيرة؛ فالتحدي كبير ومع كونه هذه المرة مختلفا ونوعيا، إلاّ أن إعلامنا أفراداً ومؤسسات سيكون -إن شاء الله- في الموعد كما كان في أزمتنا مع الناصرية وفي فتنة جهيمان وفي حرب تحرير الكويت وفي مواجهة القاعدة وهو تاريخ كبير من النجاحات أرجو أن يتوج بنجاح جديد وهو الأهم. حفظ الله ديننا ووطننا وولي أمرنا، آمين. * عميد كلية الإعلام والاتصال ورئيس تحرير جريدة المسلمون الأسبق