يحترم الناس تطبيق القانون والنظام حتى لو كان عليهم، خصوصا اذا اتسم بالعدالة والإفصاح والشفافية، ومنذ قضية المتكاملة بالذات، شعر الناس أن بالإمكان استرجاع حقوقهم، وبإمكان النظام أن ينتصر لهم، فمسألة أنه لا يمكن محاكمة الكيانات الكبيرة أو اخضاعها للنظام والقانون هي في طور الانتهاء (ولن أقول منتهية حتى لا أكون متفائلاً أكثر من اللازم)، فعندما قصر النظام في حل مشكلة تداخلت فيها عدة جهات حكومية، جاءت الإرادة الملكية وأنهته في أقل فترة ممكنه أزمة شركة المتكاملة، وتواجه السوق المالية عدة تحديات في تطبيق أنظمتها ولوائحها وحماية مدخرات المستثمرين والمتعاملين في السوق. وأهم هذه التحديات هي تداخل المنظمومة التشريعية في مسائل الشركات والبنوك والائتمان والأوراق المالية والنزاعات المصرفية. فالأنظمة المالية ونزاعات الأوراق المالية تحال الى هيئات (تحكيمية) غير مستقلة قضائيا متمثلة على سبيل المثل في لجنة المنازعات في الفصل في الأوراق المالية ولجنة المنازعات في الأعمال المصرفية. ولا أعرف حقاً أين تحال القضايا الخاصة في النزاعات بين الشركات ما عدا ديوان المظالم. ولعل رفع هيئة السوق المالية لشكواها ضد مجلس ادارة شركة المعجل للجنة المنازعات في الأوراق المالية (عرف الناس أنها خرجت من رحم أنظمة هيئة السوق المالية) هي أهم التحديات التي تدخل الهيئة نفسها في صراع مع أنظمة وتشريعات في صميم عملها، مايمكنها من كشف الثغرات القانونية التي أدت وتؤدي الى طول الاجراءات القضائية وتشابكها وتعقيداتها وخروجها أحيانا بأحكام غير عادلة، أو تعمدها إطالة أمد القضايا للبحث عن صلح يحفظ ماء وجه الكيانات الكبيرة. وهذا في نظري هي أهم الدروس التي ستخرج منه هيئة السوق المالية في هذه القضية لأنها ستعي بنفسها معاناة الكثير من الأفراد في التعامل القضائي في الأوراق المالية والنزاعات المصرفية ونزاعات الشركات. ناهيك عن أن هذه القضية ستمهد لهيئة السوق المالية في أخذ مواضيع الشركات المنظورة لديها على محمل جد قانوني أكثر صرامة، خاصة الشركات التي ارتكبت أخطاء محاسبية لا يمكن القول عنها الا أنها بدائية ويصعب تمريرها على أي مراجع خارجي. إن وجود رجل قانون ومحاسبة على رأس جهاز هيئة السوق المالية جاء من أجل جعل السوق المالية منارة لتحقيق العدل والشفافية، ومدرسة في تطبيق وتطوير الأنظمة والتشريعات، خصوصا في الأنظمة المالية وأنظمة الشركات. فالسوق المالية هي أكبر قنوات الاختبار لحماية اموال المستثمرين من التلاعب، وهي مصدر الثقة لأنظمة وتشريعات المتعاملين في الاقتصاد السعودي، ويجب أن تكون السوق المالية الملاذ الآمن لمدخرات الأفراد والشركات السعودية، فهي جاءت لجعل الادراج فيها ملعبا مهماً للتناقسية والشفافية والافصاح وتحمل المسؤولية للشركات العائلية وغير العائلية، فالسنوات الماضية والتي ادرجت فيها عدد من الشركات، لاحظنا (على سبيل الشيء بالشيء يذكر) التنافسية الكبيرة بين شركة الاتصالات السعودية وموبايلي في السوق المحلية وحتى الخارجية. فنحن لن ننسى خروج الاتصالات السعودية الى أسواق أخرى مثل ماليزيا واندونيسيا وتركيا والخليج من أجل تحقيق المركز الأول في العائدات على منافسها الشرس في حينه موبايلي، ورأينا كيف تضعضعت هذه الشركة لتتحول الى حمل وديع في السنوات الأخيرة حتى تخلصت من استثماراتها الخارجية، لتعود بقوة للسوق المحلية لمواجهة المنافس الشرس موبايلي. لقد اكتشفنا جميعنا أن الملعب والتحكيم لم تكن مواتية لبيئة تنافسية عادلة! وقد حان الوقت لجعلها كذلك، وأن لا تكون ملعبا لرمي أسهم شركات يريد ملاكها تحقيق أكبر عوائد من بيعها في السوق ثم التنصل منها وتركها فريسة للصراع بين صغار المتعاملين والحكومة في قضايا قانوينة لا تنتهي. لذا يجب اغلاق باب التلاعب الآن حتى لا تكبر كرة الثلج باكتشاف تلاعبات أخرى في شركات أخرى. فتنظيف البيت قبل قدوم الضيف الأجنبي مهمة ليست سهلة.