تتشعب قضايا الاستثمار العقاري.. وتتراوح سلباً وإيجاباً كمصدر للإثراء السريع.. وكسبب مباشر لكساد اقتصادي مريع.. فبعيداً عن اعتماد مصادر التنمية الاقتصادية التي تسهم في النمو بشكل مباشر كالصناعة والتجارة المتعددة الأغراض والأهداف.. والاستثمار في مجال التنمية البشرية وتطوير القدرات والمهارات باعتماد التقنيات العلمية الحديثة.. التي لابد أن يتبعها استثمارات عقارية متعددة الأغراض وملبية للاحتياجات التنموية.. وذلك على العكس تماماً من الاستثمار العقاري السائد.. والذي تعد دراساته والبحث في جداوه الحالية ومخاطره المستقبلية محور اهتمام عدد كبير من الاقتصاديين والباحثين المتخصصين. لكن بعيداً عن هذا الجانب المتخصص.. لابد من الوقوف عند بعض قضايا الاستثمار العقاري ذات الصلة المباشرة بالمواطن المحدود الدخل.. والمستثمر الصغير الذي لا يتجاوز طموحه فتح محل في أحد الأسواق التجارية أو المركزية. هذه الوقفة تتعلق بالعمارات والمباني السكنية المتعددة الوحدات كالشقق مثلاً.. وبالعودة للوراء قليلاً.. نجد ان مدن المملكة الكبرى كالرياض وجدة وغيرها.. شهدت مختلف مراحل نموها.. كثافة سكانية تسببت في احداث أزمات سكن كثيرة.. واختناقات متعددة في كثير من الخدمات.. وكان أن أسهم بنك التنمية العقارية.. بشكل مباشر في حل هذه الاشكالية.. بتقديم القروض العقارية والتنموية التي شملت مختلف ارجاء الوطن واستفادت منها مختلف شرائح أبنائه.. وكان ان عمد معظم أصحاب الوحدات السكنية لبناء مساكن متعددة الوحدات كشقق تسهم في حل الاختناقات الاسكانية.. وتمثل نوعاً من الاستثمار الخاص المحدود وفق الشروط المعمارية التي وضعها بنك التنمية للمساكن الفردية والتي تشمل الارتفاعات وتعدد الأدوار وما إلى ذلك.. ولم يكن البنك ليضع ضمن شروطه أية بنود ملزمة تمنع الاستثمار التجاري في الوحدات السكنية الخاصة الممولة بقروض خاصة للمساكن العائلية الخاصة.. وبحكم تعدد أفراد العائلة.. فإن تعدد الوحدات السكنية في المبنى الواحد له نتائج إيجابية.. سواء كسكن عائلي.. أو حتى كسكن استثماري يسهم في حل اختناقات الأزمة السكانية في حينه. كل هذا لا بأس به ولا شك في إيجابيته.. ولا شك في أنه أسهم بشكل سريع في حل تنموي عن طريق المواطن.. وضمن لكل صاحب مبنى عقاري خاص.. مصدر دخل اضافي أصبح يمثل وسيلة شبه ثابتة من العائد المالي السنوي الذي يشكل نوعاً من الضمانة لتحقيق استقرار مادي لأسرة صاحب المبنى. هنا نأتي لصلب المشكلة التي نحن بصدد الحديث عنها. إنها مشكلة الإيجار السنوي الذي أصبح هو الصيغة التقليدية لمفهوم العلامة بين المستأجر والمؤجر.. وهي تتجاوز الشقق والعمارات والمساكن الخاصة لتشمل المحال التجارية في الأسواق والمجمعات التجارية. ربما ارتبطت مشكلة الإيجار السنوي ببدلات الإيجار السنوية التي كانت تعرفها مختلف المؤسسات والشركات لموظفيها.. وكنا نجدها في كثير من القطاعات الحكومية بالنسبة للمتعاقدين ثم وجدناها في كثير من القطاعات العسكرية على شكل مبان سكنية خاصة توزع على منسوبيها للاقامة فيها خلال سنوات خدمتهم.. ووجدناها مضافة للمرتبات الشهرية ضمن البدلات الحكومية وهي متفاوتة ومتباينة.. فالبعض يحصل على بدل مواصلات وما إلى ذلك حسب حاجة ظروف العمل. غير أن أصحاب العمارات والشقق اقتصرت العلاقة بينهم وبين المستأجر على الايجار السنوي الذي حدد وفق التقدير السنوي لقيمة استثمار الوحدة السكنية.. وهي قيمة موجبة الدفع على قسطين.. تدفع كل ست شهور مقدماً.. فإذا كان إيجار الوحدة «40» ألف.. يدفع المستأجر «20» ألفاً مقدماً.. وبعد شهور يدفع القسط الثاني. هنا لابد أن نسأل.. هل هذه الصيغة ما زالت مناسبة للعلاقة بين المؤجر والمستأجر أم انها تلقي على عاتق المستأجر بعبء يثقل كاهله.. في ظل ظروف اقتصادية متحولة.. وفي ظل غياب عائدات وظيفية.. تحمل من التسهيلات المادية ما يساعد الموظف الشاب على الزواج والاستقلال وبناء أسرة جديدة بمسكن مناسب دون الدخول في تعقيدات خارجة عن إرادته وامكاناته. وهل من المناسب للمستثمر الصغير الذي يملك «100» ألف مثلاً.. أن يلزم بدفع إيجار المعرض أو الدكان أو المحل بواقع مفهوم القسطين السنويين بالمفهوم الحالي. من الواضح ان هذا المفهوم السائد في العلاقة بين المؤجر والمستأجر.. يراعي حق المالك دون النظر بعين الاعتبار لظروف المواطن المستأجر وتحولاتها ومتغيراتها التي لا تتناسب مطلقاً مع هذا المفهوم.. فهي تشكل عبئاً ضاغطاً على المواطن.. وتمثل هماً مالياً واقتصادياَ ربما هو غير مرئي بشكل دائم لأنه لا يمر بالمواطن مرتين كل عام .. مايله من مرور عاصف ذلك الذي يتعلق بالقسط السنوي للايجار. - لا أحد يعترض على التقدير السنوي لإيجار اية وحدة سكنية.. لكن الاعتراض على الصيغة الحالية التي يتم التعامل بها لمعرفة الأسباب التي تدعونا للوقوف عند هذه العلاقة الملتبسة والتي تكاد تكون شائكة بين المؤجر والمستأجر.. لابد أن نعود لقراءة واقع سوق العمل.. ومعرفة طبيعة الفرص العملية المتاحة حاليا لأي شاب.. وفق المرتب والبدلات والامتيازات التي يمكن أن يحصل عليها.. ومدى تناسبها مع قدرته على الزواج والسكن وبناء أسرة جديدة تصب في مسار النمو الطبيعي للأسرة والمجتمع. - في البدء يجب التأكيد على بدل الإيجار السنوي لأي شقة ليس ثابتا وتتراوح قيمته كاستثمار وفق مستوى الحي والبناء والعرض والطلب.. واذا قلنا ان مرتب الموظف الشاب يكاد يصل إلى نصف ما كان يتقاضاه موظف مماثل قبل عدة سنوات، أي أن هناك انخفاضا واضحا وملحوظا في مستوى العائد الوظيفي... يضاف اليه انعدام أشبه تام فيما يتعلق بالحوافز والبدلات.. وفي نفس الوقت أن أي شاب عامل يطمح للزواج وبناء أسرة عليه البحث عن مسكن بإيجار سنوي يبدأ من (20) ألفا ويصعد إلى ما شاء الله.. وحتى يتمكن من السكن فان عليه دفع المقدم نصف الإيجار مضافا اليه أعباء شهرية.. قد تبدأ بقسط قرض مصرفي وقسط سيارة وفاتورة تلفون وفاتورة ماء وكهرباء ومصروفات معيشية طبيعية لا تكتمل شروط الحياة دونها. - هنا نتوقف للقول.. إن التحدي الكبير للدولة يكمن حرصها على العمل الدؤوب والسريع على تحسين شروط حياة المواطن.. وإيجاد فرص عمل مناسبة.. وفرض حياة كريمة تحقق للمجتمع نموا طبيعيا متوازنا يقضي على مشاكل البطالة والعنوسة ومظاهر كثيرة أدت وتؤدي للتفكك والجريمة والانهيار. في مواجهة مثل هذه التحديات.. لا يصح أن يبغى هكذا خللا ماثلا.. فهو خلل غير مرئي وكان ك «غول» يأكل أخضر ويابس أسرة صغيرة محدودة الدخل وهو بمثابة الضمان الأكيد للاخلال بتوازنها.. فما تكاد الأسرة تخرج من أعبائها الشهرية واليومية التقليدية الملحة.. حتى تجد مالك البيت يطرق الباب.. وما يطلبه مالك البيت هو عادة.. بل ودائما يمثل عبئاً إضافياً كبيرا على عاتق رب أية أسرة. فهو خارج سياق كل العلاقات المتعارف عليه رغم أنه أصبح تقليداً شبه مسلم به واذا عدنا لطبيعة العلاقات القائمة خارج إطار الاستثمار العقاري نجد أن الدولة - مثلا - تقدم لموظفها المواطن المستحق لبدل سكن.. بدلاً شهرياً وليس سنوياً.. والمقترض من البنك يدفع وفق تسهيلات شهرية.. ومالك السيارة يسدد ثمنها على أقساط.. وحتى الشركات الأجنبية التي تتعاقد مع موظفيها بمرتبات سنوية.. تقوم بدفعها لهم على أقساط.. فكيف في ظل كل هذا على المرء أن يسكن وفق نظام لا يتلاءم مطلقاً مع شروط حياته.. وكيف يمكن لصاحب الدكان أو المعرض أو المحل أن يلتزم للمالك بدفع إيجار نصف سنوي لا يتناسب مع دخله ومستوى وطريقة تنظيم حساباته.. أو حتى صرف مكاسبه ونظام. مدخراته فهو يلزم بسداد ديون بضائعه بأقساط شهرية أو أسبوعية.. وكل التزاماته المالية تتم وفق نظام شهري باستثناء الإيجار.. - إذا كنا لا نعترض على القيمة السنوية للوحدة السكنية المستثمرة.. فإن هذا لا يعني بقاء الحال على ماهو عليه وكما هو الحال في مختلف أنحاء العالم لابد من اعادة توزيع القيمة السنوية على الاثني عشر شهرا.. ليقوم المستأجر بدفعها أول كل شهر بواقع قسط شهري.. ولتلافي اشكالات المماطلة وعدم السداد.. يمكن العمل وفق النظام الحال للقروض والأقساط التي تتبعها البنوك وشركات السيارات.. أي أن المستأجر يمكن أن يقدم للمالك اثني عشر شيكا مصرفيا موجبة الدفع في موعدها ويعتمد البنك اقتطاعها من حساب العميل المستأجر لمصلحة المؤجر.. وهي وفق مفهوم اقتصادي آخر يمكن أن تتحول لعلاقة مالية بين المالك المؤجر وبين البنك الذي يمكن أن يقدم له تسهيلات مالية.. وفق نسب محددة بضمان استقطاع مستحقاته من قيمة شيكات الايجار التي يتم استقطاعها. - إن هناك وسائل كثيرة يمكن اعتمادها لضمان عدم الاضرار بمصالح المالك ودون الغاء العبء بالكامل على المستأجر كما هو الحال حالياً. - هل يعلم أحدكم كيف يدبر المستأجر القسط نصف السنوي للإيجار؟ اذا كنت لا تعرف .. فأسأل جارك؟