ليس يخفى على أحد مدى ما وصلت له الصورة في زمننا الحاضر من أهمية عظمى، وقوة كبيرة، وتأثير لا يقاوم. وإذا قلت الصورة فإني أستحضر في ذهني أنواعاً لا تحصى من الصور، تتباعد في أحكامها القانونية، وآثارها الإنسانية، وقيمتها ودلالتها. فالصورة في عالم الفن والمجال الإبداعي لها شأن، بينما الصورة في عالم الخبر وتوثيق الأحداث لها شؤون، والصورة نفسها قد تكون حقاً يحميه القانون، كما قد تكون جريمة يعاقب عليها القانون. بث الصور ذات الأثر السلوكي أو النفسي السلبي على بعض الأشخاص، من ضعيفي الاحتمال، أو صغار السن قليلي الإدراك، دون التحذير مسبقاً قبل عرض هذه الصور، يجعل الوسيلة الإعلامية عرضة للمقاضاة بدعاوى الحقوق الخاصة أو الحق العام إن موضوع الصورة وعلاقتها بالقانون قد تتزايد أهميته، وتتسع قيمته من مجرد مقال عابر إلى بحث علمي واسع كبير. ولكني أحببت مشاركة القارئ الكريم بشيء من أطراف هذا الموضوع للتنبيه إلى أهميته، ولفت النظر إلى اتساع دلالته، ثم التذكير أن كل هذه الأطراف المتناثرة يجمعها قاسم مشترك واحد هو (الصورة). ولعلي هنا أبدأ بما هو أقرب للنفس، وأجلب للأنس، وهو عالم الفنّ الذي برزت فيه ممارسة التصوير بوصفها هواية وفناً وإبداعاً أصبح يجتذب الكثير من الشباب، فصاروا يميلون إلى اقتناء كاميرات التصوير لممارسة هذه الهواية، ومحاولة الوصول فيه إلى مرحلة الإتقان والتفوق، فأصبحنا نرى عدداً من الموهوبين البارزين في هذا المجال، وصارت تعقد له الدورات التدريبية، وترصد له الجوائز القيّمة، وتقام المعارض، وتطبع الكتب التي تجمع صور هذا المصور أو ذاك. وهذا النوع من التصوير مما يحترمه القانون ويحمي حقوقه باعتباره مندرجاً ضمن حقوق الملكية الفكرية، فقد نصت المادة الثانية، فقرة (8) من نظام حماية حقوق المؤلف في المملكة، على أن من المصنفات الأصلية المتمتعة بالحماية : (أعمال التصوير الفوتوغرافي أو ما يماثله) . وفي عالم الأخبار تأتي الصورة هي سيدة الموقف، وملكة المشهد، وهي المُخبر الذي لا يكذب، والدليل الذي لا يُردّ، حتى قيل : (نحن في زمن صعود الصورة، وسقوط الكلمة) فلا كلام بعد الصورة، في عالم الخبر ونقل الأحداث. إلا أن استعمال الصورة في نقل الخبر مما يعتبر عملية معقدة قانونياً، مشوبة بالكثير الكثير من المحاذير القانونية التي متى وقعت فيها الوسيلة الإعلامية فقد تجاوزت حدود التميز المهني، إلى المسؤولية القانونية. فاستخدام صورة محمية بحقوق الملكية الفكرية بطريقة غير شرعية يعتبر مما يجرّمه القانون ويعاقبُ عليه، إذا تم الاعتداء على حقّ المصوِّر باستخدام ما صوّره دون إذنه. كما قد تحملُ الصور الملتقطة للحدث إساءة وانتهاكاً لحقوق الأشخاص وحرماتهم التي لا يجوز التعدي عليها، وهو ما تخشاه كل الوسائل الإعلامية الملتزمة بالقيود المهنية المعروفة. وفي نطاق أبعد يمكن القول أيضاً : إن بث الصور ذات الأثر السلوكي أو النفسي السلبي على بعض الأشخاص، من ضعيفي الاحتمال، أو صغار السن قليلي الإدراك، دون التحذير مسبقاً قبل عرض هذه الصور، يجعل الوسيلة الإعلامية عرضة للمقاضاة بدعاوى الحقوق الخاصة أو الحق العام. ويندرج في استخدام الصورة لنقل الخبر، ما نراه انتشر مؤخرا من تصوير وتوثيق بعض المظاهر السلبية لأداء بعض الأجهزة الحكومية، أو حتى تصرفات بعض المسؤولين، خاصة في مقابلتهم أو تعاملهم مع الجمهور، إذ سرعان ما تلتقط الصورة وتتداولها أيدي الناس فيصبح لها من الأثر ما يغني عن ألف مقال وألبلاغ لجهة رسمية، ويتم التعامل مع الواقعة الموثقة بالصورة بالحد الأعلى من الاهتمام الرسمي والشعبي الذي لم يكن ليحدث الكثير منه لولا تلك الصورة التي فعلت الأفاعيل. وتستمر بنا الرحلة مع الصورة في عالم القانون، لنصل إلى أبشع استخدامات الصورة، وأكثرها دناءة وخسة، وهو ما يُشكّل جريمة يستحق مرتكبها الردع والتأديب، ألا وهو استعمال الصور الشخصية الملتقطة للأفراد بإذنهم أو دون إذنهم، للتهديد بالتشهير، أو التشهير بها فعلياً، أو الابتزاز للحصول على مال أو أي غرض بهذه الطريقة القذرة. وغالباً ما يتم استخدام أجهزة الكمبيوتر في الاحتفاظ بهذه الصور، أو تمريرها، ومنه تكون سرقتها عند الاختراق والدخول من غير مالك الجهاز بطريقة غير مشروعة، وهذا ما يتناوله نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، الذي ينص في مادته الأولى، فقرة (4) على أن من البيانات التي يشملها النظام : (الصور التي تُعدّ أو التي سبق إعدادها لاستخدامها في الحاسب الآلي) . وفي ذات النظام نصت المادة الثالثة، فقرة (4) على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على خمسمئة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص (يرتكب المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها) وفي الفقرة (5) أضافت : (التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة). وفي هذا المجال يعتبر من أبرز المهام والنجاحات المعروفة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متابعة وضبط جرائم ابتزاز الرجال للنساء، أو حتى بعض النساء للرجال، عن طريق التهديد بنشر الصور الشخصية. ورغم تشعب الحديث عن هذا الموضوع الشيق لدرجة أنه لا يمكنني استيعابه في مقال ؛ إلا أنه لا يفوتني الإشارة إلى قيمة الصورة في الإثبات أمام القضاء، وهو ما كان محلاً للبحث والجدل لدى فقهاء الشريعة والقانون جميعاً، على اعتبار الصور مما يمكن أن يدخله التحريف والتلاعب والاصطناع، وبالتالي فإن قيمتها في الإثبات لا تكون كبيرة إلا في بعض حالات ليس هذا مجال تناولها. هذه هي الصورة، وشيء من علاقتها بالقانون، أحببت تناوله بطريقة أرجو أن تكون راقت للقارئ العادي، ووجد فيها ما يمتعه ويفيده. والحمد لله أولاً وآخرا. *القاضي السابق في ديوان المظالم والمحامي حاليا