صورة الطفل الأهلاوي الذي ارتدى قميصاً أبيض في مباراة فريقه مع النصر الأخيرة، وكتب فيه بخط أزرق عريض "كل التوفيق للهلال في آسيا" مذيلاً عبارته بجملة "لا للتعصب" حيث وقف ممشوقاً مزهواً وقد طوق رقبته بشال الأهلي الأخضر أمام الكاميرات في قلب مدرجات استاد الملك عبدالله الذي كان يغص حينها بعشرات آلاف من المشجعين كانت بمثابة سهم ملتهب انغرس في قلب التعصب. جاءت تلك الصورة التي فرضت نفسها عنوة بين ملايين الصور في مواقع التواصل الاجتماعي صعقة كهربائية قدمها ذلك الطفل الذي بدا أنه لم يتجاوز الثامنة من عمره لينعش بها الجسم الرياضي الذي أنهكه التعصب، في وقت شاهدنا مشجعاً آخر يقوم بعد أن واجه الكعبة في أيام الحج حيث قلوب كل المسلمين متعلقة بحبال الرجاء ومتشبثة بأستار التضرع للباري عزّ وجل بتصوير ورقة كتب فيها "اللهم اجعل العالمية صعبة قوية عليهم وانصر نصرنا" قاذفاً بها في "تويتر" صيداً ثميناً اقتنصه في رحلة خلوية. المفارقة بين الصورتين تعكس حال وسطنا الرياضي؛ ففي وقت انغمس فيه طرف في وحل التعصب حتى مفرق شعر رأسه، نجد أن ثمة طرفاً آخر - وإن كان قليلاً - لا يزال يحمل شمعة وعي وسط نفق مظلم ازدحم بالمتطرفين الذين باتوا يقودون الساحة الرياضية إلى غياهب المجهول. عبور الهلال للنهائي الآسيوي كان كافياً ليزيح كامل الستار عن الواقع الخطير، فالمناوئون له قد بلغوا مبلغاً من تجاوز النص لم يخطر على بال أحد بمجرد عبوره للعين الإماراتي في نصف نهائي دوري أبطال آسيا ووصوله إلى المحطة الأخيرة في طريق التتويج باللقب القاري الكبير، إذ رموا - بلا خجل - ورقة التوت التي ظلت تواريهم رغماً عنهم، حيث أعلنوا بأنهم مع الفريق الأسترالي قلباً وقالباً، ليس ذاك وحسب، فالأمر ليس جديداً فقد ساندوا قبله القطريين والكوريين والإيرانيين والإماراتيين، وإنما الحال بلغت بهم حد إعلان الدعاء نصرة للفريق الاسترالي!. يمكن محاولة فهم هذا الواقع المخجل حد العار، أقول يمكن فهمه وليس القبول به لو أنه صدر عن مشجعين تجرعوا القهر سنين حد الإدمان عليه جراء معاناتهم من سطوة (الزعيم)، ولكنه يصدر من أناس يفترض أنهم قادة الفكر الرياضي وصناع الوعي فيه، ولكن هيهات يكون لهم ذلك، وقد فضحتهم صورة طفل في مدرج جاء ليحتفي بفريقه من دون أن ينسى أن يرسل رسالة مقتضبة كتبها بحبر الوطنية دعماً للهلال ممثلاً للوطن، في وقت أرادوا أن يسوقوا للوسط الرياضي أن التشجيع والمناصرة ودعم الفرق الأجنبية لا شأن له بالوطنية من بعيد أو قريب. لا أحد يقول إن تشجيع الهلال في مهمته الخارجية لاستعادة هيبة الكرة السعودية واجبة على كل مشجع سعودي، وإن كان الواقع يكشف في جانب من الجوانب أزمة الفكر والوعي في وسطنا الرياضي، ولكن ما نقوله وننافح لأجله مع الهلال أو مع غيره من أندية الوطن أن من المعيب أن نرى من يذهب للمدرجات داعماً، ومن ينبري بقلمه محفزاً، ومن يطلق للسانه العنان مبتهلاً وداعياً كل ذلك في سبيل نصرة الفرق غير السعودية ضد الهلال تحديداً، ولذلك فلا أقل اليوم على الواعين من أن يرفعوا الصوت ويضجوا بالحقيقة على طريقة ذلك الطفل الأهلاوي في وجه أولئك المحتقنين، بأننا وحتى يحقق الهلال اللقب الكبير هلاليون وليركبوا أعلى ما في خيلهم!