حقق برترام توماس شهرة عالمية عندما أصبح أول من اجتاز صحراء الربع الخالي وهي مغامرة خطيرة أقدم عليها في عام 1931م ثم تلاه جون فيلبي في عام 1932م ثم ولفريد ثيسجر بين عام 1946م وعام 1947م بينما ظل اجتياز الربع الخالي حلماً لم يتحقق لكثير من الرحالة الأوروبيين. والحقيقة أن لكل واحد من هؤلاء الرحالة الإنجليز الثلاثة كتابا دوّن فيه تفاصيل رحلته وملاحظاته يجد فيها الباحث معلومات ثرية على اختلاف في طرق العبور وتنوع في الاهتمامات وتعدد الأساليب ولكن يظل ما كتبه كل منهم توثيقاً تاريخياً مصوراً لرحلاتهم وما صاحبها من ظروف. وصف مراسل إحدى الجرائد الأمريكية الربع الخالي بعد أن قام بزيارته في الخمسينيات فقال:" إنها أرض لا نسمع فيها غير زئير الرياح، تسفي الرمال بشدة وتخلق منها تلالاً تعلو شيئاً فشيئاً في مثل لمح البصر إلى أن تصبح جبالاً متعالية..." ولنتساءل ما سرّ تعلق الرحالة الغربيين بهذه البقعة من بلادنا؟! يذكر رشدي ملحس في بحث نشره عن الربع الخالي في عام 1953م أن هذه المفازة بقيت أحجية تروى القصص العجيبة عنها قديماً وحديثاً، وكان يشار إليها إلى ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي في الخرائط ببقع بيضاء؛ ففي خارطة بلجريف المنشورة في عام 1862م لم يذكر عنها سوى عبارة "الصحراء الرملية العظيمة، وبعد ذلك صدر كتاب الدكتور هوغارث (اختراق جزيرة العرب) وجل ما جاء فيه عن الربع الخالي ضروب من الخيال، في حين أتيح لبعض الرحالة أن يقفوا على حدودها ناظرين إلى مداها البعيد ووصفوا ما وقعت عليه أعينهم مثل ولستد 1836م وشيزمان 1932م وفون فريد 1843م. وفي حين يشرح برترام توماس أن دافعه لرحلته هو الاستكشاف نظراً لبقاء الربع الخالي وحده بشكل غريب الأرض المجهولة الوحيدة وهو شيء مدهش نظراً للصفة الأثرية الكبيرة للمناطق الحضرية من جزيرة العرب التي لامست أراضيها الحدودية بواكير حضارتي مصر وبابل!! وأما ثيسجر فيذكر أن رحلته جاءت استجابة للطموح وحب الاستطلاع وإشباع رغبته في الاكتشاف في وقت كان فيه الربع الخالي أحد الأماكن القليلة التي لم يطأها إنسان من قبل. لقد أزاحت رحلة توماس ورحلة فيلبي الستار عن الألغاز والأوهام حول طبيعة الربع الخالي وحدوده ومساحته وما يعيش فيه من الأحياء، ولكنها لم تكن كافية لتكوين فكرة عن تشكيلاته الجيولوجية فعهدت الحكومة السعودية في أول خمسينيات القرن العشرين إلى بعثة جيولوجية من شركة أرامكو القيام بهذه المهمة بمساعدة رجال القبائل التي اعتادت ارتياد الربع الخالي ولكن هذه البعثة كانت تستخدم السيارات في تجوالها في تلك المفازة وربما كانت أول سيارات تدخل الربع الخالي هي سيارات أرامكو التي اكتشفت أن تحت هذه الرمال الحمراء العظيمة مخازن الذهب الأسود التي نرى نموذجها اليوم في حقل (شيبة). وبعد هل ما زال الربع الخالي بحاجة إلى مزيد من الاستكشاف؟! والحقيقة أنه بعد اطلاعي على كتاب (الربع الخالي: بحر الرمال العظيم) الذي صدر عن هيئة المساحة الجيولوجية السعودية 1431ه الذي وثّق الرحلة العلمية لاستكشاف الربع الخالي التي نفذتها هيئة المساحة في مطلع 1427ه ويعتبر دليلاً شاملاً ومرجعاً دقيقاً للتعريف بالربع الخالي بل هو من أكمل الأعمال حول الربع الخالي، ولذا فالحاجة إلى مزيد من الاكتشاف ليست أهم من دراسات المشكلات الخاصة بالبيئة الصحراوية التي نادى بها هذا الكتاب ومنها ظاهرة الاحتباس الحراري! وكذلك المطالبة بتصحيح بعض السلوكيات الخاطئة والمدمرة للبيئة كالاحتطاب والرعي الجائرين والتلوث والتدمير قبل أن يقضي على المكان الأنقى في بلادنا!!