الربع الخالي.. ما يزال منطقة بكراً تغري المستكشفين، والرحالة والصحفيين الباحثين عن قصص صحفية ممتعة ومشوقة، آخر هؤلاء فريق صحفي من مجلة ناشيونال جيوغرافيك الامريكية الذي قام برحلة استكشافية في صحراء الربع الخالي للتعرف على ما بقي من آثار حياة البدو والثقافة البدوية، وقد بدأت الرحلة من الرياض حيث تولت الهيئة العليا للسياحة ترتيب الرحلة، وتقديم ما يحتاجه الفريق من دعم وتسهيلات. وتبين للصحفي دونوفان ويبستر والمصور جورج ستينمتز ان بعض قبائل البادية هجرت الخيام الى مراكز مدينة تتوفر فيها المدارس والمستوصفات الطبية، وان الكثيرين منهم استقدموا عمالا يتولون رعي الماشية بدلا منهم ويصف ويبستر منزل أحد الشيوخ الذين استضافوهم في الربع الخالي «كانت الغرف نظيفة وواسعة وبها شاشة كبيرة للتلفزيون وجهاز ستيريو وعدد من أسلاك الكمبيوتر، وباستثناء اللمسات البسيطة التي تدل على الثقافة العربية كالجلوس على الأرض للأكل، فان المحيط العام يبدو شبيها بذلك الطاغي على الأجزاء الجنوبية من كاليفورنيا. ويشير التحقيق الصحفي المصور والمنشور في عدد المجلة لشهر فبراير الماضي 2005 إلى أن رمال الربع الخالي تغطي حوالي خمس شبه الجزيرة العربية، وبمساحتها التي تغطي أكثر من 225,000 ميل مربع، فهي تحتل مساحات كبيرة من المملكة وعمان واليمن والامارات العربية المتحدة لتشكل منطقة قاحلة أكبر من فرنسا. ويكتب ويبستر عن حقل شيبة النفطي في الربع الخالي والذي يتبع لشركة ارامكو السعودية في اواخر الثلاثينات ، تم استخراج النفط لأول مرة من مدينة الظهران على الخليج العربي ووقعت الحكومة السعودية اتفاقية مع المستكشفين الأمريكيين حيث قاموا بتأسيس شركة النفط العربية الأمريكية «ارامكو» لتشرف على التسويق لهذه المكامن في كافة أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن المملكة قامت بشراء حصة شركائها الامريكان منذ عشرات السنين، الا أن الشركة لم تتوقف عن إنتاج النفط بكميات كبيرة، كما انها مستمرة في التنقيب عن النفط في أماكن جديدة مثل شيبة والذي يعتقد انه سمي «شيبة» نسبة لأحد البدو الذين اقاموا في المنطقة. ويوضح أن شركة ارامكو السعودية عندما قررت تطوير هذ الموقع في التسعينات تم تأسيس هذا المرفق الذي يضم مجمعا سكنيا يحوي 750 سريرا وشبكة من مئات الآبار وثلاثة مصانع كبيرة لفصل الغاز عن النفط خلال عام ونصف العالم، واقام العاملون في هذا المشروع والذين بلغ عددهم 14,000 في مخيمات كبيرة جدا في الصحراء، وقاموا بمد 395 ميلا من الأنابيب التي تنقل النفط الى مصفاة بقيق، كما قاموا برصف ما يعادل 10,000 قدم من المسارات الأسمنتية حيث تقف طائرات الشحن في العادة. وعلى الرغم من ان بعض تفاصيل حياة البدو، قد تأثرت بالمدينة الا انهم مازالوا يحتفون بضيوفهم بطرقهم الخاصة، فلقد انتهى حديث ويبستر مع عبيد بن مهري بتقديم الأخير للصحفي الامريكي ماعزا كهدية وقال: «هذه لكم» لقد كنتم لطفاء مع الاشخاص في هذا المكان على الرغم من انكم كغربيين لستم مضطرين لتقبل او تفهم العديد من الامور، فهذه الماعز لكم لتمكنكم من الاستمرار في رحلتكم» ومن ثم قام بأخذ أحد الماعز الصغيرة من الشاحنة ووضعها على الرمال وانطلق ملوحا بيده. ويستعرض التحقيق الصحفي عددا من اسماء بعض المستكشفين الذين كانت لهم تجارب في عبور الربع الخالي والحياة مع البدو «بدأت مجموعة من المستكشفين البريطانيين والعسكريين بالتوجه نحو الجزيرة العربية ومنهم: تشارليز دوتي، اني بلنت، وليام بلغريف، سير ريتشارد برتون، جيرتود بيل، وتيا بي لورنس المعروف بلورانس العرب، وسحر وصف الرحالة الرائع للحياة التقليدية للبدو والتي لم تتغير على مر مئات وربما آلاف السنين العالم الخارجي، واثناء قيام هؤلاء الرحالة باستكشاف القبائل المتواجدة شمال الجزيرة العربية، فانهم توقفوا عند حدود الربع الخالي حيث أن مساحتها الشاسعة وبيئتها القاسية جعلتها خارج امكاناتهم». ويذكر أن المستكشف البريطاني بيرترام توماس تمكن من عبور تلك الرمال على ظهر الجمال في عام 1930 - 1931م حيث استقطبت صحراء الربع الخالي آنذاك اهتمام الغرب. واصدر توماس في عام 1932م كتابه الشهير Arabia Felix (Happy Arabia) الذي قدم وصفا للحيوانات والبيئة الجيولوجية التي تتميز بها الصحراء، كما قدم تعريفا بالسكان المقيمين بها، وتحدث عن بحث البدو الدائم عن المياه والطعام وتخطيطهم المدروس بدقة لكل خطوة في الصحراء بحثا عن المياه من منطقة لأخرى، وتحدث توماس ايضا عن أساليب البدو في العلاج بالكي. ومن بين المستكشفين الغربيين الذين نجحوا في عبور الربع الخالي ويلفريد ثيسيغير بين الأعوام 1946 - 1948م وقد رافقه في هذه الرحلات عدد من المرشدين المحليين، وتعمق أكثر في ثقافة الصحراء اثناء رحلته التي استمرت على مدار عام كامل أكثر ممن سبقوه. وقام ثيسيغير برسم صورة تذكارية رومانسية في كتابه Arabian Sands للبدو الذين وصفهم بانهم «بدو غير متعلمين يتحلون بقدر كبير من الكرم والشجاعة والقدرة على التحمل والصبر» وتوقع كذلك مستقبلا غامضا لهؤلاء الأفراد الذين يكن لهم كل محبة وتقدير، وتم اكتشاف النفط في الجزيرة العربية في الثلاثينات الميلادية، وادرك أن التحول الكبير في الثروات الناتج عن هذا الاكتشاف سيؤثر على حياة البدو التي قد تختفي. الجدير بالذكر ان هذه هي المرة الثانية التي تسهم الهيئة العليا للسياحة في التعاون مع مجلة ناشيونال جيوغرافيك، اذ سبق وان قامت بتقديم التسهيلات للمجلة نفسها لتصدر في اكتوبر 2003 تحقيقا مصورا شاملا عن المملكة.