نود أن يعرف شباب اليوم أهمية الأخ عند أخته، فإن كثيراً منهم يعامل أخته بغلظة، وهي تعتز به وتعتبره سنداً وعزوة.. وقد ورد في كتب الأدب أن امرأة دخلت على الحجاج بن يوسف تريد تخليص أقاربها من حكم القتل الذي أصدره عليهم الحجاج المشهور بالطغيان.. كان ابنها وزوجها وأخوها ينتظرون الإعدام على يد الحجاج فتقدمت إليه طالبة العفو عنهم، فقال لها: - تخيري واحداً منهم فقط وسوف أعفو عنه.. فقالت: - الابن مولود، والزوج موجود، والأخ مفقود.. أريد أخي.. فأعجب الحجاج بمنطقها ونخوتها وقال: - عفوت عن الثلاثة لحسن منطقك وعراقة أصالتك.. وفي موروثنا الشعبي (ينتخى) الأخ بأخته في الحروب والمواقف الصعبة (أخو نورة)، (أخو سلمى)، (أخو سعدى) اعتزازاً بأصالة الأخت وتقديراً لها وفداء.. وهذا يدل على ذروة المرجلة وسنام الفروسية.. كما أن الأخت تعتز بأخيها أيًّما اعتزاز، وتفخر به بين العرب من رجال ونساء.. قالت إحدى شاعرات البادية في أخيها: (أخوي مظهر عزوتي بالمحاضير والبيض غيري خافيات ضواها أخوي وإن تاه الدليلة عن البير يورد الركب الجهاهيل ماها وان لحقت الفزعه سواة المظاهير يرمي لعكفان المخالب عشاها) فهي تفخر بأن أخاها ينتخي بها (مظهر عزوتي بالمحاضير) فهو يعتز بها وقد أشهرها بأنها بنت رجال وأخت فرسان بينما كثير من الجميلات خاملات الذكر لا يعتز بهن أحد، وغالباً يعود السبب لضعف الأخ أو عدم تقديره لأخته، أما هي فأخوها قرم شجاع ويقدر أخته النبيلة.. وفي البيت الثاني تفخر بأن أخاها خبير بالصحراء وخفاياها لكثرة غزواته وشدة بأسه فهو يمخر البيد وحده ويعرف مجاهلها، ويورد الإبل الكثيرة موارد الماء المجهولة والبعيدة والتي يتوه عنها الدليل أو يتقاتل حولها الوّراد. وفي البيت الأخير تؤكد لنا أن أخاها هو سندها وسند القبيلة بعد الله عز وجل، فإن أغار عليهم قوم ونهبوا الإبل الكثيرة (المظاهير) ووجبت (الفزعة) وتميز الشجاع من الجبان فإن أخاها هو أيضاً أخو الفزعات وصاحب المواقف الصعبة ومسترد الحلال من الغزاة الذين يرميهم جثثاً وعشاء للنسور (عكفان المخالب).. ولشاعرة أخرى تشدو بمفاخر أخيها وشجاعته واعتزازه بها: (أخوي مظهر عزوتي بالطراد مع كل ركب ثوّر اسمي يباريه أخوي إلى منّه حداني حوادي جاب الركاب وجاب زمله يباريه واجتاب لي حمراً عليه الشداد نهار غب الكون تلعب غداريه) فهي الأخرى تعتز أيما اعتزاز بأن أخاها الشجاع (ينتخي بها) (أخو فلانة) إذا كشرت الحرب عن أنيابها وحام الموت على القوم وثوّرت المواقف القاتلة في الوجوه.. أخوها هنا يقهر الغزاة ويدحر الطامعين ويعود لها بحمر النعم في نهار ثار غباره من القتال حتى صار كالليل! (الخنساء مضرب المثل) ولا يكاد يوجد من لا يعرف مواقف الخنساء مع أخيها صخر، ورثائها الحار الطويل له، حتى صارت مضرب المثل في هذا المجال، وأشهر من نار على علم.. والخنساء شاعرة نجدية ولدت سنة 575م وتوفيت سنة 645م عن عمر ناهز سبعين عاماً، وهي - تقريباً - أشهر شاعرات العرب، وأشهر شاعرات الرثاء على الإطلاق، ومن أشهر النساء في الوفاء، وقد أدركت الإسلام وأسلمت وحضت أبناءها على الجهاد في سبيل الله فاستشهدوا وهي صابرة محتسبة رحمها الله تعالى. واسمها (تماضر بنت عمرو السلمية) وكانت تحب أخاها (صخراً) محبة لا بعدها ولا قبلها، لأنه كان فارساً كريماً شهماً ويحبها ويقدمها على زوجته وولده، فلمّا طعن وظل جريحاً طريحاً لازمته حتى مات فقالت فيه أروع الأشعار: (يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره لكل غروب شمس ولولا كثرة الباكين حولي على أخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أعزِّي النفس عنه بالتأسي فقد ودعت يوم فراق صخر أبي حسان، لذاتي وأنسى فيا لهفي عليه ولهف أمي أيصبح في الفريح وفيه يمسي؟ فلا والله أنساك حتى أفارق مهجتي ويشق رمسي) * * * (قذى بعينك أم بالعين عوار أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار تبكي خناس على صخر وحق لها إذ رابها الدهر، إن الدهر ضرار قد كان خالصتي من كل ذي نسب فقد أصيب فما للعيش أوطار طلق اليدين لفعل الخير ذو وصل ضخم الوسيعة بالخيرات أمار لم تره جارة يمشي بساحتها لريبة حين يخلي بيته الجار ومطعم القوم شحماً عن مسغبهم وفي الجدب كريم الجد ميسار فإن صخراً لوالينا وسيدنا وإن صخراً إذا نشتوا لنحار وإن صخراً لمقدام إذا ركبوا وإن صخراً إذا جاعوا النحار وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار)!