أحداث عاصفة تجتاح معظم أرجاء منطقة الشرق الاوسط، وتحت تنظيم أطلق على نفسه اسم "الدولة الإسلامية" الذي هو بعيد كل البعد عن وصفه بالدولة أو الإسلام، ذلك طاعون اجتاح المنطقة التي تقع في قلبها المملكة العربية السعودية مهبط الوحي ومنبت الرسالة، إن تلك الأفعى الخبيثة تهدد المملكة كما تهدد بقية العالم إن لم يكن أكثر. وقد أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن "شرور الإرهاب ينبغي لها أن تحارب بالقوة والعقل والسرعة"، وأيدت المملكة أقوالها بالأفعال حيث اتخذت تدابير لمكافحة الإرهاب فانضمت القوات الجوية الملكية السعودية يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي إلى العمليات العسكرية التي يقوم بها التحالف الدولي لمواجهة الجماعات الإرهابية. كما صرح وزير خارجيتنا الأمير سعود الفيصل الأسبوع الماضي في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، بقوله: "أمام هذه الحقائق الخطيرة فنحن اليوم مطالبون باتخاذ السياسات والقرارات المصيرية والحازمة لمواجهة هذه الهجمة الشرسة بكل قوة وحزم، والتحرك الجاد والسريع، أخذاً في الاعتبار عنصر الوقت ومغبة التخاذل". إن قرار المملكة بالمشاركة في الضربات الجوية هو دليل على تصميم المملكة الحازم في القضاء على كل أشكال الإرهاب، ويؤكد وقوف المملكة مع الأصدقاء والحلفاء في منطقة الشرق الأوسط وفي الغرب، ومن ضمنهم المملكة المتحدة التي نتشارك معها رغبة القضاء على الشر الذي يهددنا جميعاً. وكمهد للدين الإسلامي تواجه المملكة مطامع أولئك الذين يحاولون السيطرة على المنطقة واستغلالها لأهدافهم الخبيثة، إن هؤلاء هم الذين يشكلون تنظيم (الدولة الإسلامية) وهي مجموعة منشقة تشكلت من طائفة عريضة من موالين لتنظيم القاعدة وبقايا جيش صدام حسين ومسؤولين رسميين معارضين لسياسات نوري المالكي الطائفية والدكتاتورية. كما أن الاضطرابات والحرب الأهلية في سورية أدت إلى جعل الأخيرة ملاذاً آمناً لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية فتوجهوا إليها من العراق، وقد سمح النظام السوري لتلك العناصر بالعمل على الأراضي السورية واستخدامها ضد المعارضة المعتدلة، بالتالي فقد جندت هذه المجموعة شباباً وشابات مضللين من مختلف أنحاء العالم، وبعد أن أمضت تلك المجموعة وقتاً في سورية عادت إلى العراق وقامت باحتلال مناطق واسعة في سبيل إقامة ما يسمى بالخلافة. هم ليسوا مسلمين، كما أنهم لا ينتمون إلى دولة واحدة أو مجموعة سياسية موحدة، كما أن منطلقاتها لا يقرها أو يتعاطف معها أي إنسان عاقل، هي منظمة إرهابية مهمتها القتل وارتكاب الجرائم البشعة لكل من يخالفها ويرفض الانطواء تحت لوائها. لقد بدأت المملكة العربية السعودية بمكافحة الإرهاب العام 1995 وأعلنت القاعدة عدواً وتنظيماً إرهابياً وضمت تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى قائمة التنظيمات الإرهابية التي تصمم المملكة على محاربتها واستئصالها، وسخرت المملكة الموارد المالية والعسكرية لمحاربة الإرهاب وكان نتيجة لذلك دحر تنظيم القاعدة في المملكة وملاحقة شبكاتها في الخارج. إنني أرفض بشدة أي تلميحات أو اتهامات للمملكة بدعم الجماعات الإرهابية. المملكة العربية السعودية لم تدعمهم من قبل ولا تدعمهم في الوقت الحالي ولن تدعمهم مستقبلاً. إن المملكة تقف ضد كل أشكال التعصب الديني الذي أدى إلى النزاع في المنطقة، ومنذ أن بدأت الحرب الأهلية في سورية حثت المملكة المجتمع الدولي على دعم المعارضة السورية المعتدلة تفادياً لاستغلال الوضع من قبل جماعات إرهابية وعدم التراخي في ذلك إلا أن للأسف ذلك ما حصل تماماً. إن ما يحصل ينتشر كما تنتشر النار في الهشيم ولن تسمح المملكة لتلك الجماعة بتحقيق هدفها وبلوغ الأماكن المقدسة للمسلمين "مكةالمكرمة والمدينة المنورة" وتأسيس ما يسمونه "دولة الخلافة" بزعامة اختاروها لنشر مبادئهم الشريرة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي. يعمل الآن التحالف الدولي والمكون من أربعين دولة للقضاء على هذه الجماعة الإرهابية، قيادة المملكة وشعبها مدركان تماماً لأخطار الإرهاب الدولية والوقوف أمام تلك المعضلة يتطلب الوقت والالتزام، وتحث المملكة الدول على رسم استراتيجيات طويلة المدى لمكافحة الإرهاب والأخذ في اعتبارها الأسباب الجذرية للمشكلة والنتائج المترتبة عليها عندها فقط يمكن أن تتوفر الفرصة لمواجهة هذه المشكلة. إن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية ما هو إلا خطوة في سبيل استقرار المنطقة وينبغي أن لا ننسى سفك الدماء في سورية، كما يجب السعي إلى تشكيل نظام حكم عادل غير طائفي في العراق، والوصول إلى تسوية عادلة في قضية الشعب الفلسطيني الأمر الذي يشكل منطلقاً أساسياً من منطلقات السياسة الخارجية السعودية، إن السلام للفلسطينيين هو السبيل الوحيد للسلام. لقد نجحت المملكة في التحول من أمة صحراوية تجتاحها التفرقة والحروب القبلية إلى دولة حديثة موحدة مزدهرة تحمل منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - مبادئ السلام والاستقرار والأمن لشعبها والعالم أجمع وستفعل المملكة ما بوسعها للحفاظ على تلك المبادئ التي تحققت بتعاون الأصدقاء والشركاء في المملكة المتحدة وغيرها من الدول الصديقة. * سفير خادم الحرمين لدى المملكة المتحدة منقول ومترجم عن صحيفة التايمز البريطانية