سجلت إحصائيات المرور وشركات التأمين وبعض المختصين بقطاع النقل تزايد نسبة حوادث الشاحنات على الطرق الرئيسة داخل المدن وخارجها، حيث أظهرت تلك الإحصائيات تهور معظم قائدي تلك الشاحنات، ومخالفاتهم المتكررة، ورغبتهم في إنهاء خدمة العميل في الوقت المحدد حتى لو كان ثمن ذلك مخالفة مرورية، إلى جانب قيادة الشاحنات في حالة إجهاد مفرط بسبب زيادة ساعات العمل، خاصة في أوقات الذروة، كذلك دور شركات التأمين في إصلاح السيارات من دون أن يتحمل السائق أي تكاليف، وغالباً لا تتضرر سيارته بشكل كبير من الحادث. ويتطلب مشهد التعامل مع حوادث الشاحنات إلى معرفة تداعيات ذلك اقتصادياً وأمنياً وصحياً في المجتمع، فالهدر الاقتصادي يصل إلى مئات الملايين من الريالات بسبب تلك الحوادث، وما ينتج عنها من إصابات وإعاقات وتكاليف علاج وإشغال لأسرة المستشفيات، وتلف المركبات وتكاليف الإصلاح وقطع الغيار، وغيرها من أوجه الهدر والخسائر الفادحة. ودعا مختصون إلى إجراء مراجعة شاملة لأنظمة التأمين في "المملكة"، على أن يتم مراعاة عدم إعفاء قائدي الشاحنات من المسؤولية الجنائية والمرورية في حال ثبوت ارتكابهم الأخطاء، مشددين على أهمية دراسة الثغرات من قبل المختصين، وإعادة صياغة نظام التأمين بما يكفل ردع المستهترين من قائدي تلك الشاحنات، مشيرين إلى أن على "مؤسسة النقد" أن تراجع تشريعاتها في قطاع التأمين، حرصاً على المصلحة العامة، لافتين إلى أن من الأهمية بمكان أن تتولى الجهات المعنية تخصيص مسارات للشاحنات في الطرق وإلزام قائدي الشاحنات بالسير عليها، إلى جانب المسارعة في إنجاز الطرق الدائرية، وكذلك إسناد تقدير الأضرار الناجمة عن الحوادث إلى قطاع الأعمال تحت إشراف إدارات "المرور"، تداركاً لما يحدث حالياً من تجاوزات في هذا الشأن. ثغرات النظام ويروي "عبدالرحمن بن دخيل الله" - صاحب مؤسسة نقليات - قصة استهتار مكفوله، الذي يعمل لديه سائقاً لشاحنة تعود إلى مؤسسته، إذ شاهده يصطدم متعمداً بسيارة ذات موديل حديث كانت تقف خلف الشاحنة مباشرة، مضيفاً أنه برر فعلته بأن السيارة تسببت في تأخيره، إلى جانب أن شركة التأمين ستتولى إصلاح التلفيات التي أحدثها في السيارة، موضحاً أنه انتظر حضور صاحب السيارة المصدومة وأخبره أن السائق يتحمل الخطأ، وأن عليه ألا يتنازل عما حدث، إلا أن النظام - للأسف - يحمي هذا السائق المتهاون. وأضاف أن هناك قصوراً في وعي بعض العمالة فيما يتعلق بفهم التأمين على صورته الحالية، موضحاً أنهم يستغلون ثغرات النظام، في ظل افتقاد بعضهم الأمانة، وعدم وجود الرادع، مشيراً إلى أن ذلك تسبب في جعل البعض يقودون الشاحنات في الشوارع والطرق بشكل متهور، ما تسبب في وقوع كثير من الحوادث الكارثية، لافتاً إلى أنه كثير الترحال بين مدن "المملكة"، لإنهاء إجراءات معاملات بعض السائقين لديه في إدارات المرور، في ظل ارتكابهم عددا من الحوادث، نتيجة استهتارهم وتهورهم. عقوبات رادعة وأشار "عقيل الحسن" إلى أن كثيرا من قائدي الشاحنات تمادوا في تهورهم واستهتارهم بأرواح الآخرين، مضيفاً أن ذلك جعل العديد من قائدي السيارات الصغيرة يتحاشون المرور بجوار تلك الشاحنات على الطرق، مستشهداً في هذا الشأن بمقطع فيديو تم بثه مؤخراً على موقع "يوتيوب" لقائد سيارة نقل يحاول متعمداً صدم المركبات التي تسير في الاتجاه المعاكس له، حيث نتج عن متابعة بعض المواطنين له تضييق الخناق عليه، إلى أن خرج عن مساره وانقلبت به الشاحنة، حيث اتضح بعد ذلك أن فعلته تلك كانت بسبب صدمة عاطفية يمر بها. ولفت إلى حادثة شاحنة الغاز الشهيرة في "الرياض"، التي تسببت في خسائر بعشرات ملايين الريالات، إلى جانب انهيار أحد الجسور نتيجة السرعة الزائدة لقائد الشاحنة، مضيفاً أن هناك حادثة شهيرة أخرى تدل على استهتار بعض العمالة بأرواح الآخرين، موضحاً أن الحادثة وقعت في "جدة" قبل نحو عامين، حيث غافل أحد العمالة "الفلبينية" حراس الأمن في الشركة التي يعمل بها وسرق إحدى الحافلات، وعكس مسار السير في طريق "الحرمين" وأباد أسرة كاملة، مشدداً على أهمية الإعلان عن نتائج التحقيقات والعقوبات التي حصل عليها هؤلاء العابثون. وبين أن هناك ضعفا واضحا في جانب الأنظمة والعقوبات الرادعة لهذه الفئة من المستهترين، مضيفاً أن تقديم وثيقة التأمين لرجل المرور المباشر للحادث تكون ثمناً للإفلات من العقوبة التي تنتظر أحدهم بعد أن يتسبب في حادث مروري قاتل، إذ إنه في هذه الحالة سيذهب إلى بيته من دون أدنى مسؤولية، داعياً الجهات المختصة إلى إجراء مراجعة شاملة لأنظمة المرور والتأمين، مشدداً على ضرورة تشديد العقوبات لردع العابثين والمستهترين بأرواح المواطنين والمقيمين. أخلاقيات القيادة وكشف "علي الأهدل" - مسؤول التعويضات في إحدى شركات المتحدة للتأمين - عن معاناتهم المستمرة مع قائدي الشاحنات؛ بسبب الحوادث التي ينتج عنها وفيات وخسائر وتلفيات كبيرة، مضيفاً أن بعض العمالة غير المتعلمة، ممن يفتقدون للتأهيل والإلمام بأخلاقيات القيادة، يستغلون التأمين حالياً وتغطيته الكاملة للأضرار وعدم تحميل قائدي الشاحنات أي مسؤولية، موضحاً أن ذلك أسهم في زيادة نسب حوادث الشاحنات وبلوغها أرقاماً كبيرة تستدعي التنبه لها. ودعا الجهات المختصة لإجراء مراجعة شاملة لنظام التأمين، مشيراً إلى أن قرارات "مؤسسة النقد" الأخيرة بسرعة دفع التعويضات من دون الاستماع لوجهات نظر شركات التأمين شجعت المستهترين على التهور والاحتماء بالتأمين عند وقوع الحوادث، وبالتالي تحميل شركات التأمين خسائر بملايين الريالات، لعدم إمكانية استرداد التعويضات ممن يثبت تلاعبه في أوراق التأمين وتقارير الحوادث، موضحاً أن شركة التأمين التي يعمل بها لديها مطالبات ضد هؤلاء بمبالغ مالية وصلت إلى (5) ملايين ريال، مبيناً أن شركات التأمين أقرت رفع قيمة التأمين على الشاحنات لمواجهة الاستهتار المتزايد. تأجير الشاحنات وأضاف "الأهدل" أن بعض مالكي الشاحنات يؤجرونها على بعض العمالة مقابل مبلغ مالي مقطوع شهرياً، موضحاً أن السائق يحاول في هذه الحالة جمع أكبر قدر ممكن من المال، ليتمكن من دفع المبلغ المطلوب لمالك الشاحنة من جهة، والحصول على مبلغ يكفيه من جهة أخرى؛ ما يجعله يعمل ساعات طويلة تحت ظروف مناخية قاسية، مشيراً إلى أن مباشرة بعض الحوادث المرورية لسائقين من هذا النوع كشفت عن تعاطيهم بعض المنبهات المحظورة، إلى جانب أن بعضهم تعرض لإرهاق وإجهاد متواصلين. مسارات خاصة وقال "سعيد البسامي" - رجل أعمال، ونائب رئيس لجنة النقل البري بالغرف السعودية، رئيس اللجنة في الغرفة التجارية بجدة:"إن عدم وجود مسارات خاصة للشاحنات في الطرق أحد الأسباب الرئيسة للحوادث"، مضيفاً أنهم في الغرف التجارية يتواصلون مع "وزارة النقل" لتخصيص مسارات للشاحنات في الطرق البرية، لحماية الأرواح والممتلكات، وضمان عدم تعطل حركة النقل، في ظل طفرة المشروعات التنموية والاعتماد على النقل البري بشكل كبير داخل "المملكة". وقلل "البسامي" من تأثير التستر في قطاع الشاحنات الكبيرة؛ نتيجة قلة عدد مثل هذا النوع من الشاحنات على مستوى الأفراد، في حين ينتشر التستر في الشاحنات المتوسطة "الدينات" وسيارات السحب "السطحات"، مضيفاً أنها محل متابعة الجهات المختصة، لافتاً إلى أن حجز الشاحنات على مداخل المدن تسبب في هدر ما نسبته (30%) من وقت السائقين، وبالتالي فإن ذلك قد يدفع بعضهم إلى تعويض ذلك بالسرعة التي تؤدي إلى حوادث، داعياً إلى سرعة إنهاء الطرق الدائرية حول المدن الكبرى، لتخفيف الاختناقات المرورية الناتجة عن دخول الشاحنات إلى داخل المدن، وتقليص فترة حجز الشاحنات. إجراءات احترازية وأوضح لواء"وصل الله الحربي" - مدير مرور جدة - أن السلامة المرورية وإلزام قائدي الشاحنات بها، تأتي على رأس أولويات الخطط المرورية التي تنفذها إدارة مرور "جدة"، لافتاً إلى أن إدارته نفذت عددا من الإجراءات الاحترازية، لمنع وقوع الحوادث التي قد ينتج عنها كوارث، موضحاً أنه تم في هذا الشأن شق خندق يمتد عدة كيلومترات في مداخل الطرق التي تربط مدينة "جدة"، ومنها طريقي "الساحل" و"بريمان"؛ منعاً لالتفاف الشاحنات، التي تسببت في حوادث نتج عنها (7) وفيات في شهر واحد. وأكد أنه بعد أن تم شق هذا الخندق الاحترازي، تحقق - بفضل الله - صيانة الأنفس والممتلكات بمنع التجاوزات التي تحدث من سائقي بعض الشاحنات، مضيفاً أن هناك متابعة دقيقة للشاحنات على الطرق، وتحديد مواقع حجزها على مداخل مدينة "جدة"، منعاً لدخولها في أوقات الذروة وتنظيم دخولها في أوقات محددة. تخصيص مسارات للشاحنات على الطرق من شأنه التقليل من نسبة الحوادث (أرشيف الرياض) حجز الشاحنات على مداخل المدن قد يدفع قائديها لتعويض الوقت المهدر بالسرعة التي تؤدي إلى حوادث استهتار وتهاون بعض قائدي الشاحنات أدى إلى وقوع حوادث مرورية قاتلة عقيل الحسن سعيد البسامي لواء وصل الله الحربي