- حينما تغيب شمسٌ كانت مشرقة، نورها الوضاء حجبته المنية، فاعلم أيها الصغير أنك قد كبرت.. لا شيء يملأ فراغا تركته الأم حتى وإن وجد البديل فهو بديلٌ مؤقت، وبكل حال لن تتوقف حياتك بل ستستمر ولكن ليس كالسابق، فعندما يتواجد البديل يقابله استمرار العطاء بنشاط أقل.. الأب ليس كالأم فهو يهتم بالنتائج بينما الأم تهتم بالتفاصيل أكثر.. قرأت قبل أيام كتابا للشيخ الدكتور سلمان العودة بعنوان زنزانة حيث كانت به قصة استوقفتني طويلا وكلما كررت قراءتها أفرح كثيرا بنتيجة النهاية، لعل ذلك يعود للعاطفة التي تميل للنجاح الذي يخرج من قلب المعاناة، وتتكون هذه المعاناة على شكل دافع يرفعه نحو الإبداع.. تقول القصة: (...أول يوم تستأنف الدراسة جاملتْهم ونظرتْ إليهم، وقالت: إني أحبكم، كانت تستثني تلميذًا واحدًا أمامها لا يلعب، متسخا، يحتاج الحمام، غير مبهج، كانت تجد متعة في تصحيح أوراقه بقلم أحمر عريض وتضع علامة x، ثم تكتب راسب. راجعت ملفاته ففوجئت. في السنة الأولى: ذكي - مرح - مهتم - بدراسته - دمث الأخلاق. في الثانية: نجيب ومحبوب ولكن منزعج وقلق بسبب مرض والدته. في الثالثة: كانت وفاة أمه صعبة عليه، والده غير مهتم. في الرابعة: منطو على نفسه، ولا رغبة لديه في الدراسة، وليس لديه أصدقاء، ينام أثناء الدرس! كان هناك حفل في الفصل، أحضر لها هدية ملفوفة في كيس نايلون، بينما جميع الطلاب أحضروا هداياهم مغلفة، فتحت الهدية، ضحك الطلاب، عِقد مؤلف من ماسات مزيفة ناقصة الأحجار، وقارورة عطر فيها ربعها، كفَّ الطلاب عن الضحك عندما عبرت المدرسة عن إعجابها بالعقد ولبسته ووضعت قطرات من العطر على يدها. في آخر اليوم قال لها: رائحتك اليوم تشبه رائحة أمي ! انفجرت باكية لمدة ساعة. بدأت تهتم به، عقله يستعيد نشاطه، يستجيب أسرع، من أكثر الطلاب تميزا، منحته الحب. أرسل لها مذكرة: أنت أفضل معلمة قابلتها في حياتي. بعد سنوات أرسل لها: أكملت الثانوية بتفوق. بعد أربع سنوات أرسل لها: تخرجت من البكالوريس بدرجة الشرف الأولى. بعدها أرسل لها: رسالة شكر كان اسمه طويلًا بعض الشيء (دكتور). وذكر لها بأنه سيتزوج ودعاها إلى الزواج، وجلست مكان أمه وكانت ترتدي العقد الذي أهداه لها. قال: أشكرك أن جعلت مني تلميذًا مميزاً. قالت: أشكرك أن جعلت مني معلمة مميزة. هو الآن طبيب شهير لديه جناح لعلاج السرطان في مستشفى بولاية (ايوا) بالولايات المتحدة الأميركية...) من القصة السابقة تنبثق الكثير من الرؤى التعليمية والدروس الإنسانية الحقيقية منها: - كيف تتعامل مع المشاكل كمرب ومعلم وخصوصا عندما يتحتم عليك الموقف إطلاق الأحكام ؟ فهل تتروى وتراجع الملفات السابقة وتبني حكمك على دراسة ! أو فقط تطلق الأحكام جزافا ؟ - إن الاهتمام ولو كان فقط لفترة قصيرة يجلب العطاء اللامتناهي والإبداع الدائم.. - إن من عوامل النجاح التخطيط للهدف الذي يتبعه صبر وإصرار بلا كلل أو ملل.. تنهيدة : غياب الأم يترك فراغاً إذا لم يجد من يسده ويغذيه بالحب حتماً سيكون الضياع مؤكداً..