مع أهمية القرارات التي تصدر للمحافظة على المياه الجوفية بالمملكة وإيقاف استنزافها ومنها قرار إيقاف زراعة القمح بالمملكة عام 2008م ليصبح العام القادم 2015م آخر عام ستشتري فيه صوامع الغلال القمح المحلي ليتم استيراد كامل احتياجاتنا من الخارج وبأسعار متزايدة لارتفاع أسعار الغذاء، إلا انه على الرغم من الأحداث والتطورات العالمية بالسنوات الأخيرة وتأثيرها على الإنتاج والتسويق الغذائي، لم يتم إجراء تقييم دقيق ومستقل لنتائج انخفاض الإنتاج المحلي خلال السنوات الماضية للقمح وما تحقق فعليا من الهدف الأساسي للقرار للحد من هدر المياه وما يجب اتخاذه لتعديل القرار بما يهدف لتحقيق التوازن بين توفير هذه السلعة الرئيسة محليا، والمحافظة على المياه. فجميع الأنظمة والقرارات تخضع دائما للمراجعة والتعديل تبعا لملاحظات التطبيق او المستجدات حتى وان كانت قد صدرت من جهات عليا بعد دراسات وتوصيات من جهات متخصصة، ففي قرارات مجلس الوزراء نجد تعديلات وإضافات تطلبتها حاجة المرحلة الحالية، كما نرى في الجانب الآخر أن دولا نامية اكتشفت متأخراً فشل توصيات منظمات دولية لتخليصها من مشاكلها الاقتصادية وتعقدت أوضاعها أكثر بسبب الاندفاع الأعمى مع تلك التوصيات بدون التأكد من حياديتها وموافقتها لأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، بل لم يتم التقييم الدوري لها لتلافي المزيد من السلبيات والاكتشاف المبكر لذلك الفشل المتكرر بتلك الدول! فالدراسات السابقة التي تستند عليها اللجنة او الجهة الاستشارية في توصياتها تتضمن إحصاءات ومعلومات سابقة تستلزم المراجعة والتقييم المرحلي للتطبيق لكونه مع تغير المعلومات والظروف قد تتغير التوجهات والتوصيات كلياً! ولكون الاستثمار الزراعي الخارجي واستيراد منتجاته كان احد الأسس التي استُند عليها في دعم قرار إيقاف زراعة القمح لتغطية الاحتياج المحلي وتمت الموافقة على إقراض تلك المشاريع وتشجيعها، إلا انه مع توالي الأحداث المؤسفة في الدول العربية والدول المعروف عنها بالإنتاج الزراعي الوفير وتأكيد رئيس البنك الدولي (الذي يطالب بالمحافظة على المياه) بأن هناك ندرة بالحبوب وانخفاضا بالمحاصيل الزراعية عالميا بسبب تغير المناخ ومع انحسار الأراضي الزراعية ومنع بعض الدول تصدير منتجاتها وما كُشف عنه بورشة العمل قبل أيام على هامش المعرض الزراعي بالرياض بوجود صعوبات كبيرة أمام تنفيذ مبادرة الإقراض للاستثمار الزراعي خارجيا وحقيقة زيادة استنزاف المياه بالتحول لزراعه الأعلاف وغيرها، فان تلك المستجدات جميعها تفرض إعادة النظر في قرار إيقاف زراعة القمح وأي قرارات أخرى تتعلق بتوفير الأمن الغذائي خارجيا بالاستيراد، فالمؤسف أن لدينا دائما حدة في الاتجاه لزراعة القمح وحدة في قرار منعه، فالمزارعون قبل سنوات طويلة توجهوا بشكل كبير لزراعة القمح ولم يتم توجيههم لزراعة محاصيل أخرى، كذلك اللجنة التي درست موضوع المياه وأوصت بإيقاف زراعة القمح تميزت بالحدة أيضاً في منع كلي من الزراعة وليس تنظيمها! فمع السلعة الرئيسة وظروف الدول والإنتاج العالمي يتطلب الأمر حاليا أن تتم معالجة مشكلة المياه وإيقاف زراعة القمح بتخفيض زراعته للحد الذي يكفي الاحتياج فقط وقصر زراعة القمح وبعض المحاصيل الرئيسة في المناطق المتجددة للمياه فقط، كما أن تجاهل محور إيقاف الإسراف في الغذاء - للمحافظة على الثروة المائية والغذائية - سيفشل أي خطط وقرارات لتوفير الغذاء لعدم كفاية الإنتاج المحلي والمستورد! ومن تقييم أولي للقرار نجد التناقض في التوجهات والأهداف التي بناء عليها تم إيقاف هدر المياه في زراعة القمح ليتضرر الوطن بالتحول الى مستورد للقمح في حين أن المياه التي حُجبت عن القمح تحولت إما لمزارع بالكيلومترات أقيمت للمباهاة بآبار تجاوزت أعماقها الكيلو او لزراعة أعلاف مواش حُرم المواطن منها لأنها تباع بالملايين! ويبقى انه أمام عدم الاستقرار عالميا وأزمات الدول ونقص الغذاء ومنع التصدير فقد نواجه صعوبة في شراء الغذاء مع أننا نملك الكثير من المال وهو مايستوجب استثمار خبراتنا الزراعية في سد الاحتياج بدون هدر المياه بالزراعة المفرطة والإسراف بمناسباتنا!