في كانون الثاني يناير الماضي خرج الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ليتحدث للناس عن (معجزة الحوار) وما أفضت إليه حوارات اليمنيين التي استمرت لأكثر من عشرة أشهر من توافقات بين كافة القوى السياسية والحزبية والقبلية والجهوية حول مختلف القضايا ذات الصلة بحاضر ومستقبل اليمن إلى درجة انه من وصف تلك التوافقات ببقعة ضوء ساطعة في ظلام العرب الدامس. ولم يكن الرئيس هادي وحده من رأى في اتفاق الفرقاء والجماعات المتشاحنة والمتخاصمة في بلاده باعثاً على اقتراب اليمن من لحظة الحقيقة التي طالما انتظرها من أجل الخروج من عمق الزجاجة وإنهاء الأزمة السياسية والحد من حالة الاستقطاب في المجتمع ووقف الانحدار نحو العنف والفوضى بل ان الجميع وأنا واحد منهم قد هللوا لاتفاق هؤلاء الفرقاء على عقد اجتماعي للدولة والمجتمع عن طريق التراضي والفهم المتبادل والحرص المشترك على طي صفحة الماضي والانطلاق صوب بناء اليمن الجديد على قاعدة الشراكة الوطنية وروح الإخاء والقبول بالآخر. إلا أن مالم يكن في حسبان الرئيس هادي أو غيره ان مثل هذا التوافق هو من قد يرضي البعض ويغضب البعض الآخر وبالذات وان هناك من دخل الحوار ليس عن قناعة وإنما لأهداف تكتيكية أراد من خلالها تسجيل الحضور وتقديم نفسه كطرف فاعل ومؤثر في الحياة السياسية الاجتماعية والظهور بأنه وليس سواه المنقذ وحامل لواء مشروع المصالحة الوطنية ولا نبالغ إذا قلنا إن الحديث عن مثل هذا المشروع قد احتل حيزاً كبيراً في أحاديث التيارات والنخب التي شاركت في مؤتمر الحوار من دون أن يسأل أحد عن ملامح هذا المشروع وخطط تنفيذه وتطبيقه وإمكانية الشروع بوضع أسسه في ضوء مشهد سياسي مضطرب ومعقد تتغلب فيه الأنا والمصالح الحزبية والفئوية على المصلحة العامة ليتعرض هذا المصطلح للكثير من التشويه والتسطيح إن لم يتحول الحديث عن المصالحة الوطنية إلى ضرب من الترف أو الخيال غير المستند إلى مجريات الواقع. وأمام هذه الرؤية الملتبسة فقد لوحظ أنه ورغم النتائج الإيجابية التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني في اليمن فإن تلك النتائج لم تؤد إلى تضييق حالة الانقسامات والصراعات الداخلية والتي برزت آخر مظاهرها في قيام جماعة الحوثي بالتصعيد ضد السلطة ودعوة أنصارها إلى الزحف على العاصمة صنعاء لتنفيذ تظاهرات واعتصامات فيها وعلى مداخلها للمطالبة بإسقاط الحكومة وإلغاء قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية وتنفيذ مخرجات الحوار حيث إن مثل هذا التصعيد الذي رأت فيه السلطة انحرافاً عن الإجماع الوطني قد كشف عمق الانقسام المجتمعي في هذا البلد. على أن التساؤلات التي تدور في خلد من يراقب هذه الصورة المأساوية التي تعكسها الانقسامات المتجذرة في الواقع اليمني هي ما تبدو صادمة ونحن نرى أن الانقسامات السياسية صارت تستغل لتوسيع شقة الانقسامات في البنية الاجتماعية وأن هناك من أصبح يستثمر الصراع على السلطة لتقسيم المجتمع على أساس مذهبي وطائفي وهو ما يؤكد على أن البعض من اليمنيين لم يفقه بعد مخاطر هذا الجنوح والكوارث المترتبة عليه ولا سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن البنية التحتية للمجتمع اليمني هي بنية عصبوية لم تتطور اجتماعياً وسياسياً وثقافياً بما يؤهلها إلى حماية هذا المجتمع من التفكك والانقسام الذي إذا ما حدث فلن يخرج أي طرف منتصراً بل سيصبح الجميع مهزوماً.