ذهبت مؤخرا الى مركز الرياض الدولي للمؤتمرات والمعارض لمشاهدة معرض»إثراء المعرفة» برعاية شركة «أرامكو السعودية»، الأمر الذي أعطاني انطباعا منعشا وعميقا، فظهرت ثلاث كلمات فورا في ذهني. الأولى «الابتكار». قدمت «ألف اختراع واختراع» لنا إنجازات مثيرة للإعجاب في علوم الفلك والجغرافيا والهندسة المعمارية والملاحة والطب والرياضيات وغيرها من المجالات في العصر الذهبي للإسلام، الأمر الذي يجسد اهتمام العرب القدماء بالمعرفة والابتكار تجسيدا حيويا. ومن بينها الاختراعات مثل ساعة المياه ولقاحات الجدري والأدوات الجراحية والجهاز الطائر ما زالت تستخدم على نطاق واسع بعد التحسين، بما قدم إسهامات هامة لتنمية المجتمع البشري. كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَا مِنْ رَجُلٍ يَسْلُكُ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا إِلا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ «. وفي عالم اليوم، أصبح التقدم والابتكار في العلم والتكنولوجيا قوة هائلة تدفع الدول والأمم الى الأمام، وإن قدرات الخيال والإبداع للإنسان كموارد وثروة غير ملموسة أغلى من النفط والمياه والذهب. مثلا، اكتشف الخبراء في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية مؤخرا مادة جديدة، الأمر الذي من المتوقع أن يدعم إلى حد كبير تطور الصناعة الكيميائية. فأنا على ثقة بأن المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان العربية، انطلاقا من التقاليد الرائعة، ستحقق تنمية القفز ونهضة الأمة اعتمادا على الابتكار المستقل. الثانية «التواصل». المعرض يعكس التبادل والتكامل بين الحضارات، على سبيل المثال، صمم المهندس الشهير الجزري «ساعة الفيل» التي تجسد خير مثال على الانصهار الحضاري بين عديد من الأمم، فتتكون أجزاؤها من فيل هندي وتنين صيني وعنقاء مصرية وسجاد فارسي وشخصيات آلية صغيرة بملابس عربية، وقد عكس صانع الساعة ببراعة كافة التأثيرات الثقافية والتقنية من الأندلس حتى الصين. كما ذكر في القرآن الكريم « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ». وقال الحكماء الصينيون القدماء إن عظمة البحار نسبت الى استيعابها لمئات الأنهار. ويشكل الحوار والتبادل والتكامل فيما بين الحضارات المختلفة رافدا قويا للحضارة الانسانية ينساب للامام دون توقف. لذا، يعرب الجانب الصيني عن تقديره ودعمه لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين الحضارات والأديان، التي تجسد روح الانفتاح والتسامح والتكامل. * الثالثة «التجاوز». يسرني أن يقدم هذا المعرض مسلما صينيا ألا وهو البحار المشهور تشنغ خه، كان يرأس أسطولا متكونا من أكثر من 200 سفينة و27 ألف شخص، باستخدام تكنولوجيا الملاحة الأكثر تقدما آنذاك، للقيام بسبع رحلات وبلغ طول إجمالي مسيرتهم الى أكثر من خمسين الف كيلومتر، وقد وصل تشنغ خه إلى جدة وبعث الطاقم إلى مكةالمكرمة للحج. يعتبر ذلك حدثا مهما في تبادل الحضارتين الصينية والعربية، كما تعكس الازدهار والمنافع الواسعة ل»طريق الحرير البحري» آنذاك. والى جانب ذلك، دخلت علوم الفلك والتقويم والطب والأدوية العربية إلى الصين عبر طريق الحرير البري والبحري، بينما نشرت من خلاله صناعة الورق وفن الطباعة والبارود والبوصلة من الصين الى المنطقة العربية وأوروبا. .. أما اليوم، إن مبادرة التشارك في بناء «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن ال 21» مطروحة من رئيس الصين شي جين بينغ، أثرت المقومات العصرية الجديدة في طريق الحرير. ما نتصوره وتعمل عليه هو ارتقاء مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري بإنشاء منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج العربية، وفرص العمل التي يحملها الاستثمار الصيني بقيمة 60 مليار دولار تجاه البلدان العربية، والتطور الحيوي للطاقة النوية والشمسية والرياحية والخ، وانشاء مشروعات عديدة للبنية التحتية، وجري القطار على السكك الحديدية الفائقة السرعة في الصحراء، وتدوير الأقمار الصناعية في الكون، غيرها من الصور التي ما استطاع القدماء تخيلها. وكل هذا سيكون الالتقاء الفعال فيما بين التنمية في الصين والتنمية في الدول العربية، والانسجام المثالي بين «الحلم الصيني» و «الحلم العربي». ونحن مستعدون للعمل يدا بيد مع الدول العربية في مقدمتها السعودية، لاتخاذ التشارك في بناء «الحزام» و»الطريق» كفرصة جديدة ونقطة انطلاق جديدة، وتعميق التبادلات والتعاون باستمرار، حتى نسجل آيات جديدة في العلاقات الصينية السعودية والصينية العربية، ونعيد طريق الحرير القديم ليشع من جديد. *السفير الصيني لدى المملكة