ونحن الآن على أبواب نهاية الإجازة الصيفية، وموعد بداية عودة أفواج المسافرين السائحين والمصطافين، والذين جابوا أقطار العالم، شمالاً وجنوبا، شرقاً وغربا، بحثاً في قرارة أنفسهم عن الراحة والاستمتاع، ومحاولة الهرب من لهيب الشمس اللاذع ومن الملل وروتين الحياة اليومية القاتل، وهو بالتأكيد شيء لحظي ووقتي، ولكن لنفترض واقعيته وإمكانيته، ولكن ما يهمنا هنا هو أنه هناك من حسب حساب العودة من تلك الرحلة، ومواجهة مصاريف سدادها والمصاريف الأخرى الروتينية والمصاريف القادمة الطارئة، فسلم ونجا من قصمة الظهر، ومن عواقب ما بعد السفر، وأما الآخر، والذي لم يحسب حساب تلك السفرة ومصاريفها والمصاريف القادمة بعد رجوعه منها، فهذا ويل له ثم ويل من أعراض قصمة الظهر، والتي تبدأ ملامحها من يومه الأخير في ذلك السفر، فتجده في تلك الليلة قد أعناه الأرق، وأتعبه السهر، ليس من طول السفر، ولا من الشوق والحنين للعودة لوطنه وأهله ومنزله، بل من التفكير فيما بعد العودة، وما سيواجهه من فواتير السفر والفواتير التي لم يبقِ لها من المال ليقوم بسدادها مستقبلاً، فهنا يبدأ الإحساس بالألم وبآلام قصمة الظهر، وهذا النوع من الناس، لا يهمه سوى أن يقال عنه من قبل أصحاب العقول السقيمة والنفوس المريضة: بأنه محظوظ لأنه قد سافر واستمتع وقضى إجازته متنقلاً بين العواصم الأوروبية والجزر العالمية، ولكنه نسي أو تناسى ما سوف يواجهه من أمور تقصم ظهره وتقطع عنقه، ولا يدري بأنه قد حان موعد صحيانه من نومه وغفلته عن أمور أهم بكثير من التباهي والغرور والفشخرة الكاذبة أو ما يطلق عليه العامة (الهياط أو المهايط)، والذي يحاول من خلاله وعن طريقة أولئك النوعية من البشر، سد فجوة النقص والضعف، والتي يشعرون بهما، وللأسف هذا النوع من البشر منتشر بشكل كبير وواسع في مجتمعنا (المهايطي)، والذي سيطرت عليه وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة بمختلف أشكالها وأنواعها (تويتر- فيس بوك – انستغرام – واتس أب – سناب شات) وغيرها الكثير من تلك الوسائل، والتي تشجع وتساعد ذلك (الكائن المهايطي) في تحقيق غاياته والتنفيس عن عقده النفسية وأوهامه الكاذبة، وتجعله نجماً وعلماً، ورمزاً في عالم الفخامة وفي حياة البذخ والأرستقراطية الكاذبة، وكما قيل "كذب كذبة وصدقها" ولكن للأسف كانت كذبة حياتها قصيرة، ونتائجها كبيرة ووخيمة على من لم يفهم حجمها ولم يقدر قدرها، لا أقول هذا الكلام تقليلاً واحتقاراً لأناس دون أناس، ولكن بالفعل، ما أقصده في كلامي هو من تجده في قمة التباهي والفشخرة وهو يعرف في قرارة نفسه بأنه ليس في قدرته أو في استطاعته تحمل عواقب مصاريف سفره الذي لا يجني منه سوى القهر والتعب، لأنه يعلم بأنه عبارة عن تسلية لحظية ووقتية، لذلك كانت هي تلك أحاسيسه وما يشعر به، ولكن لا ينفع الندم في تلك اللحظات الأخيرة عندما ينتهي سفره ويعود ادراجه إلى حيث ابتدأ، لذلك أقول: يا أيها الإنسان المتباهي والمتفشخر، يا أيها (المهايطي)، اترك عنك عناء السفر، وكآبة المنظر، وابتعد عن سوء المنقلب في المال والأهل، وصًن مالك ونفسك عن ما قد يواجهانه من سوء العاقبة، وحينها لن ينفعك إلا ما قد أخرت، وسوف تندم على ما قد قدمت، فاغتنم حياتك بما تستطيع، وابتعد عن ما لا تستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا تتمنى ما قد أعطاه الله لغيرك مما لم يعطه إياك، ولم تستطع امتلاكه والقدرة عليه، والتزم بما أوصاك الله سبحانه وتعالى به، كما قال تعالى (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض)، واسال الله من واسع فضله ورزقه ومنّه وعطائه، ولا تغرك الحياة المبنية على الكذب والخداع والمباهاة الزائفة الخادعة، فإنها إلى زوال وانتهاء، واختر طريقك وحياتك، أيها العاقل.