قريباً ستكمل الجامعة العربية عامها السبعين، وقيل إن نشأتها بدأت بخطاب متعاطف مع دول المنطقة ألقاه رئيس الوزراء البريطاني «أنتوني إيدن» عام 1941م وتأييد من دولته إنشاء درجات من الوحدة الكبرى للعرب بروابط ثقافية، واقتصادية وسياسية، وقد تم إنشاؤها من خلال دعوة لرئيس وزراء مصر «مصطفى النحاس باشا» وإلى آخر بقية ما هو معروف ومدون لتاريخها.. وبصرف النظر عن الهدف البريطاني الذي قيل إنه سعى لخلق هذا التجمع خوفاً من حالات الاضطراب التي قد تتصاعد مع بدايات الحرب العالمية الثانية وتؤثر على مستعمراتها، لكن قيامها كان إيذاناً لعمل عربي طالما كانت إفرازاته متعددة مع بداية الثورة العربية التي أجهضت، ثم الدعوات لوحدة الهلال الخصيب، ووحدات أخرى تنشأ بتوافق بين الدول.. وكأي تجمع جنين أُسس له ميثاق للتعاون، لكنه كما بدأ تحولت الجامعة إلى منتدى للخصومات والمقاطعات كما جرى لانسحاب القذافي منها أو تحويل مقر الجامعة من مصر لتونس، ثم الاختلاف على أمينها في رفض بعض الدول أن يبقى مصرياً، وغيرها من المشاجرات الطويلة.. الأعضاء الآن اثنان وعشرون، لكن بعد الربيع قد تخلق دول جديدة تمحو اسم الدول القديمة، مثل قيام دولة «داعش» التي اقتطعت أجزاء من سورية والعراق كنواة لدولتها ومبايعة خليفة لها تحت مسمى دولة العراق والشام، ولا ندري عن مجريات الأيام لو كسبت اعترافاً دولياً وإسلامياً، ثم عربياً كيف سيكون استقبال أبوبكر البغدادي إلى القاهرة ليشهد توقيع «بروتوكول» عضوية دولته، وهل سيأتي معمماً وبخاتم بخنصره الأيسر وساعته «الكارتيه» أم يرفض الدعوة لأن مشروعه أممي وليس إقليمياً، ثم يليه زعيم النصرة ودولته الجديدة، وتبقى الدولة الكردية، هل تسعى مثل الصومال وجزر القمر، إلى هذه العضوية، أم تذهب لغيرها كدول آسيا الوسطى، أو تجمع جديد تدعو له تركيا أو إيران؟ ولا ندري عن دولة الجنوب السوداني، ولا ما سينشأ عن ليبيا أو اليمن أي إن هذه الجامعة ستشهد تحويراً، أو تطويراً وفق الظروف القادمة والتي لا نراها مفاجأة أمام مستجدات الواقع وتحولاته.. نحمد للأمم المتحدة أن لغتنا العربية ضمن اللغات المعترف بها في المنظمة، وقد نشأت غير متباعدة عن قيام جامعتنا العربية، وبظروف مختلفة، ولكنها ظلت صوت المغلوبين والمظلومين بوجود مجلس الأمن الذي يعد القوة النافذة قراراته في حال عدم تعارض الدول، لكن أمينها العام ما بعد «داج همرشولد» الذي تحطمت طائرته وهو في مهمة إفريقية، أصبح السكرتير موظفاً ثانياً في وزارة الخارجية الأمريكية وهي التي أغضبت الزعيم السوفيتي على سياسة المنظمة وخاصة بعد إسقاط طائرة التجسس الأمريكية «يو 2» ليرفع حذاءه ويدق به على منصة المنظمة، وبعد مقاطعة لخطابه من قبل أمريكا ودول أوروبا محتجاً على سياسة أمينها آنذاك «همرشولد»، وقد أعجب هذا التصرف العالم الثالث واعتبره شجاعة من الزعيم السوفيتي فيما رآه عقلاء أنه امتهان لمقر أممي لا يقتصر على دول بعينها، ولكنها أساليب وسلوكيات الحرب الباردة التي كان التنافس بينها يصعد في بعض حالات التوتر القصوى إلى المخاوف من نشوب حرب نووية.. أمين العرب، وأمين الأمم كلاهما يشغل وظيفة شرفية مقيدة بشروط وخطوات محسوبة لأنهما مجرد منسقين للاجتماعات ولا قدرة لأي منهما لتعديل مسارات السياسات التي تخطط لها الدول الأعضاء، لكن ما يواجهه أمننا الأكثر صعوبة لعدم قدرته على ما سيراه من مفاجآت في منطقة بدأت تنعى حاضرها ومستقبلها أمام تعرجات الطرق وتبدل الخرائط..