تقول وهي تتأمل صورة ملهمتها (كاثرين الكبيرة) المرتكزة على مكتبها: «فجأة رأيت نفسي أجلس إلى طاولة مع كل الناس الذين كنت أراهم عبر شاشة التلفزيون فقط» كان هذا حديث المرأة التي تحكم الدولة الأصعب في أوروبا، بل ملكة أوروبا غير المتوجة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي صمّت مسمعها عن قول احد رجالات بلدها هيرمان غورينغ نائب الزعيم هتلر موصياً المرأة الألمانية قائلاً: «خذي وعاء ومكنسة وتزوجي رجلاً «. بلا شك إن نساء العالم امتثلوا لنصيحة (هيرمان) وتشظوا دون إرادة منهن إلى أربعة أرباع, ربع للزوج، وربع للأبناء، وربع للبيت، والربع الأخير بقي لنفسها، إلا أن البعض منهن استثمروا ربعهن الباقي وعملوا واخترعوا وقادوا ونجحوا! ولكن هل يطيق هذا الربع الوحيد كل هذا الحمل الثقيل؟! وهل هو ما يجعل المرأة لا تعمل بكفاءة الرجل في عالم الأعمال كما يعتقد البعض؟! إن الجملة التي لطالما طرقت مسمعي، والتي لا تنم عن الاعتزاز والإشادة، لم تهدأ بالرغم من حضور المرأة الكبير في المشهد العام وفي صناعة القرار اليوم، الجملة المحمولة عادةً على ألسن النساء وهي «شغل حريم» والمرادفة للعمل غير المتقن والذي لا يعتد به يرددنها النساء وكأنما يراد بها جلد الذات، أو نوع من التعبير عن السخط وضعف الثقة لكن ما السبب الذي يجعل من عمل النساء «بربسة» بمعنى متقلقل وغير محكم ؟! هل العاطفة كلما كانت طاغية ولم نكن لها جلادين عتاة، تتسبب في تدميرنا وتلطخ كفاءاتنا، وكأنها أشبه بالكلب المسعور إن لم يوثق بحبال العقل الغليظة سيُحدِث بلا شك حادثة فضيعة؟! وحين أتحدث عن العاطفة فإنها تشمل الغضب والرضا، المحبة والكره، الظلم والإنصاف، الأنانية والإيثار. هنا أتساءل حقيقةً فيما لو كان بالفعل عمل النساء كما يوصف «بربسة» ماذا حل بصندوق النقد الدولي في عهد كريستين لاغارد، ماذا حل ببريطانيا حين كانت تديرها مارغريت تاتشر والتي أذكر قولها: «لو رأوني أسير على الماء لقالوا لأنها لا تجيد السباحة» والذي اعتقد أنه كان رداً على منتقص لها كونها أول امرأة بريطانية تتولى منصب رئاسة الوزراء. وكيف هو حال جيش إيطاليا وأمنها وهو في يد روبيرتا بينوتي! ولماذا بكت الأرجنتين على إيفا بيرون وغنت نشيجاً (لا تبكي يا أرجنتينا) لماذا عينت (جنرال موتورز) و(أي بي ام) و(بيبسي) مديرات تنفيذيات على شركاتها العملاقة، وماذا سيحل بمستقبل العلوم واتجاهاته حين ضم الوفد المكون من أفضل خمسة عشر عالماً من العالم بأجمعه لاستشرافه، واختيرت من بينهم حياة سندي هل لأنهم استثناء للقاعدة! ولو افترضنا جدلاً أن المرأة لم تُعط الثقة والفرصة هل ستتشكل من الأساس القاعدة التي سيبرز منها الاستثناء! إن النساء حول العالم أشبه ما يكن يخضن حرباً لإرساء مفهوم التوازن والعدالة، فالرجال لطالما كانت لهم صدارة، ضاربة في القدم، لخلو الساحة من المنافسة النسائية، والتي اكتفين أصحابها بملء الوعاء وكنس الأرض والانشغال بجذب الزوج والإنجاب حتى لا تنتقص أنوثتهن فما كان من الرجل سوى أن اصبح الرئيس القوي، والقائد الماهر، والعالم النجيب، والتاجر الشاطر، والحرفي المتمكن، والطباخ البارع، والكوافير الرائع. فيما بقيت المرأة دافئة في منزلها متلذذة بسم الراحة المخلوط بالعسل. وفي حين حديثنا عن المرأة السعودية بشكل خاص فإنها تخوض تحديين إحداهما بجانب نساء العالم والأخرى لوحدها ساعيةً إلى تغير الصورة المنطبعة في اللاوعي الجمعي والتي تعكس حالة اللاثقة التي تجابهها المرأة بمحاولات حثيثة لتغييرها. فهي حديثة عهد بدخولها لميدان الأعمال بهذا الحضور الكبير وبهذه الفاعلية، ومازالت تسعى جاهدة لتثبّت أقدامها وتشعر بالاطمئنان بأن مرحلة حرب إثبات الذات على المستويين على وشك الانتهاء طالما أن هناك دينا حنيفا حفظ لها حقوقها وقيادة رشيدة هيأت لها الكثير من فرص الحضور وخوض التحديات التي تواجهها، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وهنا أريد أن أشير - أيضا - إلى وجود حليف آخر للمرأة للرهان على تجاوزها تلك التحديدات وهو ذاتها، إذ إن جلّ ما تحتاجه المرأة أن تتصالح مع نفسها, وتسألها بالاً طويلاً, وعيناً راعية ترقب عود الشجرة الرطيب الذي لا بد له أن يشتد ويصلب ليحمل أوراق الزهر ويطرح رطباً جنياً.