اوضح صالح عبدالله كامل رئيس مجلس إدارة مجموعة دلة البركة القابضة ورئيس مجلس امناء وقف اقرأ لعلوم الانماء والتشغيل خلال كلمته الافتتاحية في ندوة البركة الخامسة والثلاثون للاقتصاد الإسلامي في جدة، أن الندوة في هذا العام أعيدت الى عنوانها الأول، "ندوة البركة للاقتصاد الاسلامي" وذلك بعد أن أخذتنا المصرفية والتمويل الاسلامي على مدار سنوات عديدة مضت، وكادت أن تختزل الاقتصاد الاسلامي وتحصره في المصرفية والتمويل فقط وما هي إلا وسائل بينما الاقتصاد الاسلامي أكثر عمقا وشمول. وأضاف كامل: "نحن نعلم أن العلماء والفقهاء على مدى الأيام والازمان هم المصابيح التي تلقي بضوئها على ما أشكل من أمور فقهية أو خلافية لتوضيحها للناس وتبيان حقائق الأشياء، ولكنهم كانوا يوضحون الشرع كما فهموه وبحكم المتاح لهم من علم ومعارف، وعليه فإن من الواجب علينا وبحكم ما يتوفر لنا اليوم من تجارب وأدوات يفرضها المستجد والمتجددُ في عالم اليوم، وأن نفهم الشرع كما ينبغي لنا ولعصرنا حتى نفعل المفهوم العالمي للاسلام بأنه دين كل زمان ومكان حتى يرث الله الأرض وما عليها، وحتى نبقى دائماً خير أمةٍ أُخرجت للناس ولنظل في مقدمة الأمم علماً وعملاً ولا نتراجع فنصبح في مؤخرة الأمم أو متذيلين ركب التقدم والحضارات". من جهته قال عدنان يوسف الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية: "كما تعلمون فقد ظلت قضية التمويل ودورة في التنمية هي القضية المحورية في الفكر المالي الإسلامي المعاصر إلا أن أكثر ما يعيب هذا الحراك الحيوي في بعده التنظيري على الأقل هو توقفه عند محطة المصارف الإسلامية، دون أن يتبع ذلك حراكا فكريا أو ممارسة علمية في جانب الاقتصاد إلا من تجربة وحيدة لازالت في بداياتها في السودان". وأضاف "أعتقد إننا الآن وبعد ان بلغت صناعة المال الاسلامية ما بلغت من انتشار وما نالت من اعتراف، نحتاج لإن يتداعى الاقتصاديون وأصحاب الفكر والرأي والباحثين في مجالات المعرفة الاقتصادية للخروج ببناء وهياكل اقتصادية مستمدة من هوية الأمة، وتتمتع بالفعالية والكفاءة اللازمة لجعل التمويل موجها نحو الاقتصاد الحقيقي وداعما لأنشطة الإنتاج والتبادل والتوظيف، وبالتالي نجاح جهود إيجاد تحولات هيكلية وإحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية تسمح بتحقيق تصاعد مطرد لقدرات مجتمعاتنا وتحقيق تحسين مستمر لنوعية الحياة فيها". عدنان يوسف: نحتاج للخروج ببناء وهياكل اقتصادية مستمدة من هوية الأمة وزاد يوسف "قد يقول قائل ان هذا عمل كبير لا يمكن ان تقوم به الا الدول – ونقول ان المصرفية الإسلامية المعاصرة بدأت بمبادرات من افراد، من ضمنهم سعادة الشيخ صالح كامل حفظه الله ورعاه، وتحولت في اقل من اربع عقود الى صناعة متكاملة مرغوبة من الدول. وبدأت الجلسات بالمحور الاول تحت عنوان المصرفية الايجابية واوضح المهندس رياض الربيعة مقدم بحث المصرفية الإيجابية "أن المصرفية الإيجابية تعد طريقة مبتكرة للتعامل البنكي دون فوائد على المقترض دون زيادة في الأسعار السلعية عن الأسعار النقدية، وتزيد مبيعات الشركات وتقلل الحسابات المدينة لديهم وتزيد أيضا دخل البنوك وتخفض المخاطرة عليهم، حيث ينتج عن ذلك زيادة النشاط والتوازن في الاقتصاد الوطني. وعقب الدكتور سامي سويلم مدير مركز المنتجات المالية الاسلامية التابع للبنك الاسلامي للتنمية أن فكرة المصرفية الايجابية فكرة مبدعة ومتوافقة مع فلسفة التمويل الاسلامي، واستيفاء الضوابط الشرعية أمر ميسور وممكن، وتبقى الحاجة لمؤسسة مالية متخصصة. وتحدث عن المصرفية الايجابية بقوله إن التاجر يودع للبنك (قرض) والبنك يقرض عملاء التاجر، والتاجر هو من يدفع عمولة البنك، فيما يتحمل مخاطر قرض العميل البنك نفسه، فيما يكون مصدر العمولة هو زيادة مشتريات العميل من التاجر. واعتبر سويلم أن من ايجابيات المصرفية الايجابية أنها فكرة مبدعة، وتربط التمويل بالنشاط الحقيقي، وتمح قرض بدون فوائد على المقترض، فيما يتحمل التاجر تكلفة التمويل، وتكون تكلفة التمويل على ذوي الفائض وليس ذوي العجز. إلا أن هذا النظام تواجهه تحديات مالية وشرعية، فالمالية تتمثل في أنه ليس لدى كل التجار فائض، كما أن ذوو الفائض يريدون تنويع مدخراتهم بدلا من توظيفها في نشاطهم التجاري، ولا يفضل البنك أن يحصر نفسه في توجيه مدخرات التاجر لعملائه فقط، كما أن نموذج المصرفية الايجابية قد لا يتوافق مع نموذج المصرف التجاري. وفي جلسة المحور الثاني دور الدولة في النشاط الاقتصادي طالب الدكتور عبدالستار أبو غدة رئيس الهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة البركة المصرفية بضرورة تدخل الدولة لضبط الاسعار في حال مجاوزة أسعار الأطعمة والأدوية الحد المعقول أو المألوف من غير مبرر. وأشار إلى أن الأصل هو عدم التسعير وإطلاق الحرية لحركة البيع والشراء بالتراضي للاحاديث الواردة في ذلك. واستدرك "لكن هناك حالات يحق للدولة فيها الأمر بالتسعير، منها احتكار بعض التجار للسلع فتتدخل الدولة لمنع الاحتكار والالتزام بسعر تحدده الدولة، ومنع تواطؤ التجار على البيع بسعر يحقق لهم ارباحا فاحشة. ففي مثل هذه الحالات تتدخل الدولة بفرض اسعار مناسبة ومنع الاحتكار لما في ذلك من مصلحة البلاد والعباد. وحول دور الدولة في منح الامتيازات أوضح الدكتور أبو غدة أن معظم الامتيازات تمنحها الدولة لاستغلال الموارد الطبيعية، وهو ما يسمى امتياز الاستغلال، والتكييف الشرعي لعقود الاستغلال أنها جُعالة، فالدولة هي الجاعل والمؤسسة المستخرجة هي العامل والمقابل المحدد هو الجعل والعمل مجهول ولكنه محدد بالنتيجة. من جانبه قال الدكتور عبدالعزيز بن فوزان بن صالح الفوزان أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء: عُني الإسلام عناية فائقة بترسيخ التكافل الاجتماعي، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية في كل المجالات، وتحقيق الكفاية المادية لكل الناس، ونهى عن الظلم والبخس، والغش والتطفيف، والغرر والمقامرة وأكل المال بالباطل، وإضاعة المال وتبذيره، وكرس ثقافة التوفير والعقلانية في إدارة الموارد الاقتصادية للأمة، وحفظ حقوق الأجيال القادمة، مع الموازنة الدقيقة بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند التعارض. وبين الأستاذ الدكتور سعد الدين هلالي أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن البحوث الموضوعة وفق منظور أو قواعد الاقتصاد الإسلامي توحي بقدسية هذا الاقتصاد، مع أنه من وضع الفقهاء، وتتعدد أوجهه بتعدد واضعيه ودارسيه في تضييق دلالة النص أو توسعتها بما يحقق الطمأنينة لدى كل مجتهد على حدة. وأشار في تعقيبه على البحث الفقهي المقدم من الدكتور عبدالعزيز بن فوزان إلى أن ما جرى عليه العمل في زمن لا يصح أن يكون حجة دينية على أهل زمن آخر. وبين أن حكم وتاريخ المسئولية الاجتماعية واجب شرعي وفريضة دينية وليس شيئًا طارئًا، تفطن الناس أخيرًا إلى أهميته كما في النظام الرأسمالي الذي لم يعرف المسئولية الاجتماعية إلا في خمسينيات القرن الماضي. صالح كامل رياض الربيعة