زمن جميل ذاك الزمن الماضي وبساطة الحياة فيه رغم قساوة المعيشة وقلة الإمكانات وكيف هي القرية أو الحارة السعودية عندما تعانق بسكانها شعاع شمس قيمهم وعاداتهم الأصيلة الآتي سناء ضوئها وضيائها من مكارم الأخلاق العربية التي بعث خير خلق الله عليه السلام ليتممها "حي الضلع" يقف شامخاً في الجهة الشمالية الشرقية من قريتي الحبيبة "عفيف" تتناثر بين جنباته بيوت ساكنيه وكأنها عقد لؤلؤ قد انفرط على الفاخر من السجاد الشيرازي المبخر بأثمن أنواع العود الهندي ليعكس بياض هذا اللؤلؤ الناصع ما يحمله الجار لجاره بين جنبات فؤاده كما هي رائحة العود الزكية التي تعبر عن جمال ونقاوة وطهر أجواء الحي العابر والمعبر عن مسلك وسلوك قاطنيه. حيث ما كانت والدتي تعلم عن الظروف الصحية التي ستمر بها بعد قدومي لهذه الدنيا وأنا بكرها فقد توقف تدفق ثدييها عن إرضاعي وعلي صراخي جوعاً وعطشاً تلتفت يمنة ويسره بين يأس ورجاء وهي ترى جنينها وسط حجرها قد جف جلده وتغير لونه وبرزت عروقه وهي بقطرات دموعها كزخات مطر نزلت على مستغيث في غير موسمها تقف عاجزة ليلتقطني والدي على عجل لجارتنا عيدة ومنها لمنيرة اللتين بحنانهما وعطفهما أرضعا ابن جار استجار بهما بعد الله لتتدفق بعروقه دماء الحياة من جديد وتنتظم معها نبضات قلوب وجلت على صغيرها. أي نبل وشهامة ونخوة تأتي لنا بها الحياة بمثل هذا المشهد الإنساني المؤثر والذي اختفى تماماً في زمننا هذا حيث تلتقف جنين عصرنا هذا أيدي قد لا تدين بديننا ولا تعترف بمبادئنا بل قد تحقر من قيمنا وهي التي جعلنا من أحضانها مرتعا لا يليق بصورة الأسرة السعودية المحافظة. جمعية أمنا البديلة: لم تكن عيدة أو منيرة قد توقفا على إغاثتي أنا فقط بل جعلا من أنفسهما وصحتهما ووقتهما رهن أطفال الحارة والقرية بأسرها وما رصد أحد أخوتي من الرضاعة لأسماء ًعديدة ذكوراً كانوا أو إناثاً بقصد التواصل والحذر من التزاوج بناء على معلومات تلقاها منهما إلا دليل على الدور العظيم للأم المرضعة في المجتمع السعودي بل الأجمل من ذلك كله ما عشناه وتعايشنا معه فها هو أخي الآخر من الرضاعة خالد العلي العواجي يبادر بتشكيل جمعية مصغرة رعت وترعى أحد أمهاتنا التى بعد وفاتها استمرت تلك الرعاية وفاء لها للمحتاج من بناتها وأبنائها وأحفادهم.. وهاهو رمضان بكرمه وعطائه ينتظر بمشيئة الله كل من له أم مرضعة حالت بينه وبينها ظروف الحياة وإنشغالاتها وكذا تباعدها الجغرافي ليطرق باب الوفاء سائلاً عنها لعلها قد تكون هي أو أحد من عقبها ابناً كان أو بنتاً أو كان حفيداً في حاجة له أمس من حاجة معدته للذة حليبها عندما كان يتضور عطشاً وجوعاً بل قد يضيئ بدربه هذا مسالك الوصول لأخوة وأخوات له من الرضاعة جنح بهم قارب الزمن على شواطئ الفقر أو المرض أو ظروف العوز التي لا يعلمها إلا الله.. والله من وراء القصد.