كنت اعمل منذ فترة طويلة بالقسم النفسي بمستشفى الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة (الزاهر) لاحظت ان هناك حجاجاً ومعتمرين يأتون بإحالة من شرطة الحرم المكي الشريف بسبب ادعاء البعض منهم على انهم (المهدي المنتظر) والبعض الآخر يدعي (للنبوة) وآخرون ...! في الآونة الأخيرة بدأت هذه الحالات في تصاعد اما بسبب زيادة عدد المعتمرين او بسبب وسائل التواصل الحديثة, حيث يمكن لأي شخص رصد أي مظاهر غريبة تحدث بالقرب منه. والحقيقة انك عندما تفتش عن الاعراض تجد انها ناتجة عن ارتفاع هرمون (النور ادرينالين) في الدم بسبب (شدة الفرح) الذي ينتاب الحاج او المعتمر لمجرد ولوجه للحرم المكي الشريف ومشاهدة الكعبة المشرفة, مما يؤدي الى تغيرات فسيولوجية وكيميائية حيوية مذهلة ومتسارعة قد تؤدي بالحاج او المعتمر الى الإصابة بصدمة نفسية عنيفة ومزلزلة قد تخرجه عن السواء ان لم تتدخل هرمونات القشرة الدماغية بإفراز هرمون (الكورتيزون) الذي يعمل على وقاية الجسم من شدة الإرهاق والصدمة. ولو رجعت عزيزي القارئ الى زيارتك الأولى للحرم المكي الشريف لوجدت بأن هناك شعور اعتراك اما على شكل (دوار) او (غياب عن الوعي لبرهة) او (قشعريرة بالجسم), الا انك سرعان ماعدت لوضعك الطبيعي. واختلاف هذا الشعور مرده الى تعلقك بالديار المقدسة, وكلما طال انتظارك لهذه الديار المباركة زاد الشوق والتعطش لمشاهدتها! ولك ان تتخيل شعور المسلم الفقير الذي كان يختزل جزءاً من قوت يومه للسفر لمكة المكرمة, بل انه يعد الأيام والليالي للوصول لهذه الديار المقدسة وفجأة يجد نفسه واقفاً امام هذا المنظر المهيب! ماذا تتوقع شعوره؟!