" أنا إنسان يزعجه كل شيء أريد عدم الإزعاج، عدم الاهتمام بي، أجتهد كي أجعل الآخرين لايعيرونني أي انتباه" يحلو للبعض وصفه ب(ملك المتشائمين) وآخرون رأوا أنه يستحق وبجدارة لقب (فيلسوف العدمية والخواء). إميل سيوران هذا العجوز العنيد العصبي بعض الشيء والكسول دائما، الذي وإن أوحت قسماته الحادة بعدوانيته وقسوته؛ إلا أن قراءة واحدة لمؤلفاته تكشف أن هذه الملامح الصارمة لاتخفي وراءها سوى طفل وديع هزيل مزقه الهلع والألم. وقع سيوران في حياته أسيرا لحالات مزاجية مرعبة: أرق.. خوف.. تدمير للذات.. رغبة في الانتحار.. شجار دائم مع من حوله، كما عانى من العزلة وهو الذي يقول عن نفسه: "أنا بالكاد أخرج إلى الشارع أشعر أن المجتمع جحيم" وهربا مما هو فيه كان يلتهم أقراصه المنومة ويستهلك في اليوم عشرين قنينة لإسكات الأصوات في رأسه وليتخلص من الواقع ومشوشاته. ولد سيوران عام 1911م في رومانيا في قرية رازيناري ونشأ في أسرة أرثوذكسية، اضطر للرحيل سنة 1921م إلى سيبيو المدينة المجاورة، حيث المعهد الثانوي، وحيث أصبح والده رئيس الكنيسة، اضطر ثانية للرحيل إلى بوخارست لدراسة الفلسفة، ثم انتقل إلى برلين حيث أقام فترة للدراسة ثم فرغ لتدريس الفلسفة بمعهد براسلوف إلا أنه في نهاية 1937م تحصل على منحة من معهد بوخارست إلى فرنسا وارتحل على الفور وقتها. اصطدم سيوران منذ طفولته بالأسئلة الوجودية الكبرى: لماذا يخطف الموت من نحب؟ لماذا يتألم البشر؟ ما معنى أن يتعرض الأطفال للتعذيب؟ دخل يوما على أمه وارتمى على الكنبة وهو يصيح: "لم أعد أحتمل هذه الحياة" فردت أمه: "لو كنت علمت ذلك لأجهضتك" هذه العبارة أثرت عليه تأثيرا شديدا وألهمته بتأليف كتاب بعنوان "مساوئ أن يكون المرء قد ولد!" وعلى المستوى الشخصي فسيوران لم ينجب طوال حياته. كان يشعر أنه من الجيد أن تتوقف البشرية عن إنتاج نفسها وبامتنان كبير لما فعله تجاه ابنه الذي لم يولد لأنه خلصه من القدوم إلى هذا العالم المليء بالظلم والتعاسة. وعلى جانب آخر لم يكن سيوران على وفاق مع الأوساط الأدبية والأكاديمية بل كان يشعر بنفور تجاهها إنها عبارة عن مجموعة من أناس غير حقيقيين: ياقات منمقة.. انتفاخ فارغ.. رطانة لغوية أثقلتها المصطلحات الفلسفية والأكاديمية. كانوا في نظره جادين بشكل فظيع، وإذا ما قرر سيوران الاقتراب منهم فبالمقدار الذي يمكنه من الحفاظ على ذاته واستقلاليتها؛ ولذلك فضل مخالطة المعدمين والمهمشين حيث كان يقف على شارع شانزليزيه ويراقب المتسولين وهم يعزفون آلاتهم الموسيقية ويمررون قبعاتهم للزبائن. صدرت لسيوران عدة مؤلفات منها: (قياسات المرارة)، (التمزق)، (اعترافات ولعنات)، (على ذرى اليأس)، (المياه كلها بلون الغرق)، (لو كان آدم سعيدا) وهو عبارة عن شذرات من مجمل كتب سيوران، ومن أبرز مقولاته: "ما أعرف يقوض ما أريد" " نتألم لأننا لا نبكي بشكل كاف" " قال لي أحد المرضى: ما الجدوى من آلامي؟ لست شاعرا لأستثمرها وأفتخر بها" "الحزن جنون كف عن التطور".