لا تكاد تبدأ الإجازات المدرسية ويلقي الآباء والأمهات من على ظهورهم أعباء قلق الاختبارات النهائية لأبنائهم وبناتهم حتى يجد كل واحد منا أمامه كوما من الدعوات لحضور الأعراس للأقارب والأصدقاء بعضها في المدينة التي تسكن فيها وبعضها لابن عم أو ابن خال أو صديق أو زميل في شرق المملكة أو غربها أو شمالها أو جنوبها هذا في القصيم وذاك في الدمام وآخر في أبها أو الباحة ورابع في تبوك أو المدينةالمنورة. وهكذا تبدأ رحلاتنا المكوكية لحضور عرس هؤلاء الأقارب والأحباب على طول خارطة المملكة وتمضي الإجازة بأيامها وأسابيعها وشهورها القصيرة بين هذه الأعراس والمجاملات وسط صياح ومطالبات الأبناء لآبائهم للحصول على فرصة ليشعروا بالإجازة ويأخذوا حقهم من الفسحة سواء في السياحة داخل المملكة أو خارجها ولكن الأب والأم أمام هذا السيل من الأعراس التي تتكدس في فترة إجازة الصيف لا تترك لهم وقتا للإحساس بمتعة الإجازة أو التمتع بها. شيء محير لماذا نصر على أن تكون إجازة الصيف بما فيها من حرارة ورطوبة وكآبة موسما للأعراس ولماذا لا تكون أعراسنا مطبوعة بالبساطة ودون تكلف وفشخرة ونحر عشرات الحشيان والخرفان بصورة لم ينزل الله بها من سلطان وتعد إسرافا وتبذيرا لا مبر له. لماذا أعطينا الفرصة للجشعين من تجار العقار وأثرياء الطفرة أن يصلوا بإيجار قصور الأفراح إلى مئات الألوف لفترة لا تزيد عن ست ساعات أو سبع ساعات في موسم الإجازات غير ما يتبع ذلك من مصاريف لما يسمى بالميز والكوشة وتصوير العروس والعريس والزفة والطقاقات بحيث يجد العريس وأهله في نهاية هذه الفشخرة قد تحملوا ديونا لا يعلم إلا الله كيف ستكون انعكاساتها على حياة العروسين. صدقوني نحن نبالغ كثيرا في تكاليف الأعراس إلى درجة نزعت هذه البركة من الأعراس وأصبحت عبئا لا يمكن أن يتحمله الشباب الذي لا يزال في بداية حياته العملية ولهذا زادت نسبة العنوسة والعزوبية في أوساط بناتنا وشبابنا وانتشرت أمور ضارة بين شبابنا وشاباتنا قد لا تكون عواقبها محمودة في المستقبل . وأتساءل ألم يأمر الله بالتيسير في الأعراس وعدم التكلف والمغالاة لا في المهور ولا تكاليف الزواج ولكن مع الأسف نحن المسلمين شريحة منا ابتعدت عن ماأمرنا به ديننا في أعراسنا وأصبحت الكثير منها كرنفالات للمباهاة والتبذير وعرس بنتنا أحسن من عرس بنتكم أو زواج ولدنا أحسن من زواج ولدكم وغير ذلك من أمور التكلف والفشخرة المقيتة.. بينما نجد غيرنا من شعوب الأرض المتحضرة يحرصون على أن تكون أعراس أبنائهم وبناتهم بسيطة وبأقل التكاليف وفي وقت مختصر في المنزل أو في إحدى الساحات العامة وتزف العروس والعريس بكل بساطة ليعيشا حياتهما ويبنيا عشهما طوبة طوبة دون ديون ولا قروض. وقد تجاوزت الشعوب المتحضرة تخصيص الإجازات السنوية لمثل هذه المناسبات فأعراسهم يمكن أن تقام في أي وقت من السنة ودون تكليف أو عتب فإذا حضر الأقارب أهلا وسهلا وإذا لم يحضروا لمشاغلهم فلا عتب عليهم ويكفي الاتصال منهم والمباركة للعروسين مع هدية بسيطة للعروس والعريس تعبيرا عن السعادة بهما.. أما بالنسبة للإجازات فهي أمر لا يمكن أن يكون موسما للأعراس أو أي ارتباط آخر وفرصة ليرتاح الإنسان وأسرته من عناء العمل وروتين المشاغل ويتفرغ لنفسه وأسرته في جو من المتعة والانطلاق والفسحة. لقد أخبرني أحد الأصدقاء بأنه منذ سنتين اتخذ قرارا لا رجعة فيه بأن لا يلبي أي دعوة عرس خلال إجازة الصيف لكائن من كان ولا يمكن أن يسافر لأي مدينة أخرى من أجل حضور عرس قريب أو صديق وبرر قراره هذا بأن السنة بطولها متاحة لكل من يود دخول القفص الذهبي فلماذا الإصرار على أن تكون إجازة الصيف هي الوقت الذي نكدس فيه أعراسنا.. أعتقد انها نوع من (غلاستنا) فإجازة الصيف في دول العالم بأسرها هي عبارة عن فترة فسحة وراحة وفلة من الدراسة والعمل ماعدا عندنا فهي عبارة عن فترة تزاوج ؟!